|
شؤون سياسية وقد بدا الارتباك الأميركي جلياً في امتناع أي ناطق أميركي عن التعقيب على اتفاق طهران 17/5/2010 لساعات، عدها المراقبون طويلة بما يكفي للتساؤل عن سر هذا التريث المديد. أما بعد أن أوعز نتنياهو لوزرائه في 18/5 بالتزام الصمت، فقد بات في وسع المراقب التيقن من أن الاتفاق الثلاثي الإيراني - التركي - البرازيلي، قد أصاب صناع القرار الأميركي - الصهيوني بصدمة ارتجت معها مقدرتهم على الاحتفاظ بزمام المبادرة في إدارة الملف النووي الإيراني، إلى الحد المتطابق مع العبرة في المثل السائر: «ليست رمانة بل قلوب ملآنة!» فالاكتفاء الإسرائيلي باتهام طائش لإيران بأنها تتلاعب بتركيا والبرازيل، لم يخرق الإيعاز بالصمت. وهو إيعاز أميركي المنشأ، جرى على لسان نتنياهو واقتضته حال الارتباك في البيت الأبيض، ومؤداه اتركوا إدارة الموقف حصرياً بيد واشنطن كيلا تفسد تصريحات عنترية تصدر عن عصابة نتنياهو الطبخة الأميركية في مقاربة الموقف الناشئ. الأصل في الصدمة التي تلقتها واشنطن صدقية اتفاق طهران في انسجامه مع معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المشفوعة بصدقية لتركية والبرازيل لاتستطيع أميركا إحاطتها بالشك. فالاتفاق الثلاثي استجابة لمقترح الوكالة في تشرين الأول الماضي، لمبادلة اليورانيوم الأدنى تخصيباً بوقود نووي للاستخدام الطبي، وهذه الاستجابة كما رأت فيها تركيا والبرازيل وروسيا والصين، تفتح الباب للمزيد من المفاوضات الشفافة والمسؤولة مع إيران في رحاب الوكالة الدولية للطاقة وليس في كواليس مجلس الأمن، أي بوحي معايير الوكالة وليس بروائح الصفقات والإكراه الذي تمارسه واشنطن لحشد أعضاء المجلس ضد طهران. زد إلى ذلك أن صدمة واشنطن تفاقمت بالزخم الناشئ عن الاصطفاف الدولي الجديد مع إيران وهذا يبلور إشارات إلى ارتباك أميركي أشد في إكراه مايكفي من أعضاء في مجلس الأمن على تبني قرار عقوبات موسعة على طهران. وبالصخب الذي واكب دفع أميركا إلى معاقبة إيران، وتوسيع نطاق العقوبات في مسودة قرار أمام مجلس الأمن، تستعيد شعرة معاوية ديناميكيتها. ولداهية العرب السبق في ابتداع هذا النمط من الحوار الأخرس: «بيني وبين الناس شعرة ما انقطت: إذا شدوها أرخيتها، وإذا أرخوها شددتها». والوضع الأمثل بالنسبة لواشنطن هو أن تواصل طهران «الرخي» لكي يواصل الغرب «الشد» لأن مايبدد قلق الغرب، وفيه إسرائيل وعلى رأسه الولايات المتحدة، هوالطمع في أن يمتلئ البرميل عديم العقر بالتدحرج الإيراني على سلم تراجعات تصل إلى إعادة عقارب الساعة إلى وراء.. إلى عصر شرطي الخليج المقبور. والشاهد أن الصخب المواكب للدفع الأميركي نحو توسعة عقوبات بقرار في مجلس الأمن يشمل حظر تصدير السلاح إلى إيران، انطوى على رسالة إلى كل من روسيا والصين مفادها محاولة النيل من البلدين في ميدان تجارة السلاح إذا لم يتفهما قلق واشنطن الحقيقي من إغلاق السوق الإيرانية، منذ 31 عاماً، أمام المبيعات الأميركية. وقد رد الوزير لافروف، أمام الوزيرة كلينتون، الرسالة بمثلها في 19/5 قائلاً: نحن أيضاً قلقون من توسيع دائرة العقوبات على إيران. وبه نستطيع أن نعاين محورين تنصرف إليهما المقاربة الأميركية للصدمة في اتفاق طهران الثلاثي: الأول، وهو المسكوت عنه في التريث المريب، المصحوب بالإيعاز لـ «إسرائيل» بالتزام الصمت وهو التريث المقترن بعنوان الامتداح، خطوة إيجابية، أي الامتداح المثير للشبهة لدى الشعب الإيراني بطمع من واشنطن في أن تصدع هذه الشبهة الوحدة الوطنية الإيرانية من باب أن صمت «إسرائيل» وامتداح الولايات المتحدة، يضر المصلحة الاستراتيجية العليا لإيران. وعلى هذا المحور حصدت مجسات المراقبة الأميركية الخيبة من التتابع المطموع فيه من الرخي الإيراني لـ الشعرة. أما على المحور الثاني، وهو الاستئناف المتسرع للشد الأميركي في التحريض على إيران فقد كانت الخيبة أشد فداحة، لأن هذا التحريض وخصوصاً في مسألة سلاح محظور غربياً توريده إلى إيران منذ أن أسقطت هذه «ملك الملوك» كشف المستور في جذر أزمة الملف النووي، وهو أن واشنطن تضع العصي في عجلة أي تسوية لهذا الملف وفق معايير الوكالة الدولية للطاقة، ومن باب الحوار الذي فتحه الاتفاق الثلاثي، لسبب جوهري هو أن واشنطن لاتريد أن تقتل الدجاجة التي تبيض ذهباً في اتجاهين: 1- لأن إبقاء الملف مفتوحاً يضمن للولايات المتحدة «الذهب» في إغلاق التساؤلات الموازية حول سلاح «إسرائيل» النووي بابتزاز العرب بـ السلام أولاً. 2- إنه يضمن ذعرهم من إيران كي يعقدوا المزيد من صفقات التسليح مع البنتاغون بمليارات مضاعفة مرات عن صفقة الشاه 1972 «صفقة العصر» آنذاك البالغة 18 مليار دولار، المحتجزة هي وأموال الدولة الإيرانية المماثلة لدى الولايات المتحدة بسبب انتقال طهران إلى الخندق العربي المقاوم لـ «إسرائيل». إن واشنطن لاتريد قتل الدجاجة التي تبيض ذهباً ولذلك تواصل تطوير دهاء داهية العرب في ديناميكية الشعرة التي لاتنقطع! |
|