تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الصراع في منهجية الرؤية ومساراتها

شؤون سياسية
الأربعاء 26-5-2010م
بقلم: د. أحمد الحاج علي

في المنعطفات الحيوية والصعبة التي تمر بها الأمم تصبح الحاجة عضوية وضاغطة للعودة إلى القواعد المؤسسة والضابطة لعلاقات الدول بعضها مع البعض الآخر

والمؤامرة الكبرى إنما تستهدف تدمير هذه القواعد الناظمة أو تشويهها على الأقل وذلك مسعى واضح لكي يحدث الانحراف عن الوقائع ويتشكل منطق موازن هجين وتحدث حالة من الأجواء الضبابية التي تسمح للآخرين بملء الفراغ بالتقديرات والصياغات الوهمية وباعتماد منهجية استحداث التناقض والعداء مع القوى الايجابية الحية.‏

والمسألة هنا متصلة بالعلاقة العربية مع ايران وفي ذات السياق العلاقة العربية مع تركيا والعودة إلى قواعد البناء والتفسير نراها متمثلة في عنوانين هامين الأول منهما هو البحث في الذات العربية لكي نستخرج من هذا البحث مستويات الاستيعاب والتعامل والتفاعل مع موقع إسلامي مهم مثل ايران والوعي بالذات العربية يقدم المنهجية الأبرز في مواكبة وتفسير العلاقة العربية الايرانية والعنوان الثاني هو في اتجاه سير الحركة والتطور في هذه العلاقة بأداء متطور وايقاع معمق ما دامت موازين العلاقة قائمة على قواعد الندية والتكامل وتبادل الموقف مع ايران على أساس المصالح القومية العربية الكبرى وفي إطار ما يؤكد هوية المنطقة وما يجب أن تأخذ به من أسباب ومشتركات لمواجهة الاستراتيجيات الغربية والصهيونية والتي مازالت في أوج شراستها ولما تنقطع عن التسلل إلى المنطقة أو الحضور العسكري والاقتصادي المفضوح والمكشوف إليها، إذاً هما قاعدتان متلازمتا الانطلاق من حقائق الذات ومكوناتها كقاعدة أولى وضبط اتجاه التفاعل وايقاع العلاقة على المشترك والعادل والمتجه إلى الأمام ونحو الأفضل، ويعلم الجميع والعرب في مقدمة هذا الجميع أننا أمة حية بأصولها ومشروعها الحضاري وقيمها الدينية والفكرية وهذه الخاصية في الأمة العربية ليست تحت الطلب السياسي أو تحت تصرف الآخرين من أصحاب النوايا السلبية والأهداف المشبوهة لكي يسحبوا قوة هذه الخاصية من وجود الأمة ومن حركتها في التعامل مع الآخرين.‏

وفي اتجاه آخر فإن الأصيل يرى الأصالة أيضاً في الآخرين، والثابت على الحق والهدف الكبير يتعامل مع الآخرين بذات الرؤيا فيعادي من يستهدف طمس المعالم وتضييع الحق وتغيير قوانين البناء والصراع في المنطقة ويمتد بالوعي وعلى ايقاع المصلحة المتبادلة إلى مستويات أكثر حضوراً في التفاعل الايجابي مع الآخرين إن القصة بأصلها هي الذات العربية وهناك من يتطلع إلى أن تدمر أو تجتث معالم هذه الذات فيما تبقى منها وقد نجا من الانحطاط وقد أثبت حضوره في أقسى اللحظات وأعتى موجات الظلام تدفقاً إلى الوجود العربي كله، ومن الواضح أن مجمل أنماط السلوك السياسي والعام عند القوى المعادية بدءاً من المشروع الأمريكي الصهيوني مروراً بقوى التزييف والفتنة وانتهاء بالمجموعات السياسية والاعلامية المستوطنة والحاكمة في الداخل العربي أقول أنماط سلوك هذه المجموعات تتوطد في اتجاهين كبيرين الأول منهما أن يغادر العرب هويتهم وتستغرقهم في الداخل أوهام وعناصر تخويف من خلال القفز فوق الواقع ونقل التهمة والمعركة إلى الموقع الآخر، أعني في مادتنا هذه ايران، هناك نص ذو قيمة أطلقه ذات يوم الرئيس القائد بشار الأسد يحيط بهذا الموضوع وينير جوانبه بصورة منهجية يقول: (بالنسبة لايران هي دولة في هذه المنطقة لكننا نريد أن نقول: الأهم من أن نرى إن كانت لاعباً رئيسياً هو أن نرى أننا الغائب الرئيسي كعرب عن الساحة السياسية في منطقتنا وفي صناعة القرار وفي صياغة مستقبل هذه المنطقة ويضيف الرئيس، هذه النقطة التي يجب أن نراه وهذا أهم من أن نضيع وقتنا في الحديث عن أن ايران تلعب دوراً يجب يكبر أو يصغر، الأفضل هو دورنا وما دورنا؟ لا يحق لنا أن نتحدث عن أدوار الآخرين ولا نستطيع أن نراها بحجمها الحقيقي إن لم نمتلك دوراً)، يمتلك النص مباشرة خاصية استعادة مشروعية الرؤية والتقدير لأن الضلالة والتضليل قائماً على فكرة إحداث الفراغ والفجوة من جهة بين الطرفين وتعبئة المنطقة في هذه اللحظة بمكونات وعناصر مفتعلة ومضافة مع التركيز الاعلامي والثقافي عليها لكي تتحول هذه الاستطالات إلى قواعد تأسر المواقف وتنتج التوتر وتعمم الأحقاد، إن السؤال المشروع والقوي هو الذي ينطلق من الذات العربية ثم تجمع تفاعلاته وفقرات أجوبته من كل مواقع الدنيا ومن الواضح الآن أن هناك منهجاً مصطنعاً لاعادة صياغة الحقائق على أسس ومسارات وافدة وغريبة وعندها يصبح المطلوب أن تكون حالة العداء ما بين العرب وايران هي الأهم وهي البند الأول في التحضيرات السياسية والفكرية والاجتماعية التي يجب أن يأخذ بها العرب وعلى المكشوف يتحول الصراع العربي الصهيوني إلى مجرد خلاف من الدرجة الثانية أو الثالثة ولا بأس في حيثيات هذه النقلة من ضياع الحقوق العربية والصمت عن الجريمة الصهيونية التي تفترس الانسان وتدمر المقدسات وتقتل الشجر وتهدد بخطوات قادمة من شأنها كما يدعون أن تعيد العرب إلى العصر الحجري وفي الاتجاه الثاني الكامن في النص نتابع هذا الاندفاع نحو تبديل الحقائق وتزويرها حتى لكأن البعض يعتقد أننا نحن العرب كم بشري وكميات اجتماعية لا وظيفة لها سوى أن تندمج بالآخر وتتنازل عن حقائق وجودها.‏

إن مقومات الفعل وضمانات المصير لا تقع إلا في جوهر الهوية الواضحة والحق الثابت والخطوة الشجاعة وفي أصل ذلك وعلى محاوره تأتي عملية تأمين شروط النمو وضمانات الحق العربي في الاقليم فماذا لو تفاعلنا مع ايران في الزمن العربي الصامت الردىء وأمنّا لوجودنا وقضايانا إطاراً آخر ومنبعاً آخر يقوينا مثلما نقويه ويمدنا بأسباب القوة مثلما نمده أليس من حقنا بل من واجبنا أن نكون أمة حية بذاتنا لنرى الحياة في الآخر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية