تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الشاعرة الفلسطينية فاتنة الغرة في ( إلاي ) غزل وحشي

كتب
الأربعاء 26-5-2010م
إبراهيم حسو

قراءة الشاعرة الفلسطينية فاتنة الغرة هي أشبه بالتجوال في أزقات الشعر إن لم تكن سياحة أبدية في مواقع ( تخييلية ) سردية

تشي بالكثير من الحذر في طريقة عبورك إلى أماكن شعورية ذات حساسية وعرة وتلزمك الكثير من الحنكة في التعامل مع ظلالها اللغوية التي تخفي أفخاخاً و مصائد لا يمكن التكهن ابداً في أي وقت يمكن أن تصطادك بها, نصوص تنفلت على بياض مستمر لا نهاية له ، كأنه بياض الأبدية الذي يجري دون آن يشعرك باللهاث أو الجهد و دون أن تقف القراءة عند سطر أو نهاية مقطع , فثمة وراء كل سطر فضاء مفتوح من المخيلة المبدعة التي تظل تشتغل على طول بياض الصفحة و في نهاية كل مقطع ثمة أصوات خفية تظهر أو تختفي مع صعود و خفوت اللغة نفسها , كأنك في زيارة لغوية عابرة حيناً أو وقفة بلاغية حيناً آخر و كل ذلك ضمن رقعة شعرية فسيحة سمتها الأولى و الوحيدة هي وحشية اللغة و بدائيتها و ذلك عبر تقلبات الذات الشاعرة و استنفارها اللامنقطع .‏

فالنصوص ( إلايّ ) هي سلسلة مترابطة من نص واحد أو من جسد واحد بدءاً من وحدة الموضوع التي هي ( الحلم ) و ما يؤول إليها أو تستند عليها كفعل الرؤيا أو عمل الرؤية ( الواقع ) و انتهاء بوحدة سيمياء الجسد التي هي ( النص ) و ما يتبعها من انتقالات المحسوس إلى المتخيل ، و تعاضد الحياة مع الموت و تبادل الواقعي مع المرئي في ركض و جريان مستمر نحو إيقاظ الكلمات من سباتها و جمودها و إفراغها من فلسفتها و تناقضاتها التي تثقل اللغة و تبطئ تدفقها :‏

( فيما يَرى النائِمُ: ‏

كَانَت النجومُ تَرقصُ في تسبيحِها الليليّ.‏

تَلهَجُ ألسنَتُها بحمْدِ اللغَةِ.‏

فاصطدَمَتْ بشهابٍ ثَاقِبٍ.‏

التقطَته نجمةٌ مُراهِقَةٌ.‏

أعطته في لحظَةِ طيْشٍ فَلكيَّةٍ قُبلَةَ الحيَاةِ فاسْتفاقَ فراشَة.‏

وكانَ أن انمحى فيها مجدَّداً..)‏

فاتنة الغرة شاعرة مدفوعة إلى محاكاة جسدها ولو من برانيته أو سطحه إن صح التعبير هنا , فهي تسكن جسداً مائياً متحركاً زلالاً ونقياً كنقاء اللغة و نقاء ذاكرتها التي تمضي بها لتخاطب الأرض الأولى والسماء الأولى و تحضّر للكون مفاجأة وجودها،‏

( أنا آخر سلالة الأنوثَةِ الطَّازَجةِ والمعتَّقة.) لكنها مع ذلك تعترف بالخطيئة الكبرى التي أوصلت أبناء جلدتها إلى الرذيلة و الفسق وجعلتها ابنة اللهو و الفسق و ابنة السواد و الخيبات، و تعترف ايضاً قدرة المرأة في إيجاد نوع من التوازن في الكون عبر جمالها و حضورها الآثرة في وضع الحلول لكل ما حلت بالبشرية من كوارث و ويلات ، فهي صاحبة الحلم الأول للإنسان و ملهمته الأولى إن لم تكن الأبدية هي سره و حتفه ايضاً :‏

(أنا آخر سلالة الأنوثَةِ الطَّازَجةِ والمعتَّقة.‏

أفتحُ ذراعيَ فيبدأ الكون دورته الأحادية الاتجاه.‏

أبتسم.. فيقطر العسل من شفاهي البكر اللعوب.‏

أخطو.. فتفقِد الكرة الأرضيَّة توازنها‏

وحينما تجلْجِلُ ضحكتي تسمع أجراس الزلازل والبراكين تخلخل أنظمة الطبقات السبع .‏

و تحت مقطع ( اللذة شرك ) تفاوض فاتنة جسداً آخر غير جسدها أو كأنها امرأة بجسدين منفصلين , جسد وحشي بدائيٌّ يعيش على اللذة المستباحة التي لا تعرف حدوداً للشبع و جسد آنيُّ يقبع في ذاته أو يقتات لذته من كبته ووجعه، فاللذة هنا معصية و هلاك و ما على الشعر إلا أن يسترد هذا الجسد الهش نضارته و خضرته :‏

(وَحدَهُ في السَّماءِ‏

ووحْدِيَ في سَريريْ‏

وما بيني وبينَه .. صِياحُ ديكْ...‏

تبدو تجربة فاتنة الغرة الشعرية غريبة على الشعر الفلسطيني وذلك في طريقة كتابتها لنص مفخخ كثير الدلالات و الإيحاءات ويحمل الكثير من المغامرة سواء على صعيد اللغة أو البلاغة و هي الشاعرة الفلسطينية الوحيدة تقريباً التي تتناول موضوعات تنطلق من الجسد و تنتهي بالمحرمات التي قلما تجدها في الشعرية الفلسطينية .‏

فاتنة الغرة ( إلايّ ) شعر‏

الطبعة الاسبانية 2010‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية