|
كتب
منها «المطاول » سلطان هذا الشعر ، الذي يعتبر أرفع أنواع الشعر الغنائي ، لا يجيده إلا المتمكنون في فن القصيدة ، ويقابل القصيدة التقليدية في شعر الفصحى ، وسمّي بالمطاول تفريقاً له عن الموّال ، فما زاد عن اثنتي عشر بيتاً فهو مطاول ، كما أنه يتميّز عنه باستيفائه لعدّة أغراض شعرية ، وعادة يغني المطاول في السهرات الثقافية ، حيث يجتمع شاعران أو أكثر ويتطارحون القصيدة ويتبادلون النقائض . ويلزم شاعر المطاول نفسه بنظام عروضي صارم من أجل تحقيق إدهاش فني وإيقاع خارجي يكون إطاراً للإيقاعات الداخلية الموظفة للغناء . ونقف عند مطلع مطاول لنلمس مدى التأثر بالشعر الجاهلي : نيّخ زمولك ، كفى يا صاح ، لأجل الوفاء تبكي دياراً خلت من بعد سلماهـا طال التقادم ، وقلبي عالمنايا وفـــــا أخنى عليها المد بصروف سلماها إن المطاول يعتبر شكلاً فنياً متطوّراً ، ويحمل مؤثرات ثقافية تتجلّى في الأسلوب والإشارات التاريخية والاستفادة الواسعة من بيان القرآن الكريم وقصصه، بالإضافة إلى التجربة الحياتية العامة والخاصة ، وما يحفظه الشاعر من موروثات الحكم والأقوال الشعبية والقصص والأساطير والحوادث ، وتعدد أنواعه وضروبه . والموال الذي انتشر انتشاراً واسعاً في حلب ومحيطها . وأوّل ما انتشر في العراق ( الشرقاوي، البغدادي ) ثم وفد إلى الشام ، وقد اشتهر الموّال السبعاوي على ثلاثة أنواع : ( العادي ، المحبوك ، المطرز ) . وهذا موّال يقال أمام بيت العرس، حيث يغنيه الصوّيت بين الحشد المجتمع : إنّ ردت تعْلا على رقاب العدا تعـــــــــــــلا قم رافق الحج وتفرّج على المعــــــــــــــلا واطلع على بير زمزم واصرخ يا بلال املا قمر يلاقي لقمر ، أينا قمر أحســـن حسن يلاقي لحسن ، أينا حسن أحسـن ضربت في تخت رملي ما لقيت أحسن إلا الصلاة على النبي والفاتحة – للعرابي – ساكن المعْلا. بعد الليالي يسلطن صوّيت الموَّال فينطلق في الغناء غير مقيّد بلحن أو جملة موسيقية، إنه يؤدي موّاله على النغمة ذاتها ( البيات مثلاً ) في لحن مرتجل موشى بتلاوين آسرة للقلوب، وكلما ردّد لازمة الشرقاوي ، اهتز السامعون طرباً وانطلقت من أفواههم أصوات الاستحسان والاستزادة من النغم ، وارتفعت الحناجر بهتاف للعرس الحلبي : « الله يساوي دوز دوز جي صلوا على محمد والزين زين مكحول العين واللي يعادينا الله عليه » ... أوّل ظهور لفن العتابا يعود إلى نهاية القرن الخامس الهجري ، والذين أوجدوها هم البغداديون ، وهي تتشابه بكون البيت مركباًمن أربعة أقفال ، لكنها تختلف في أوزانها وأغراضها الأولى المفضلة باشتقاقها ، فقد اشتقت من العتاب : إنها أغان فراقية حزينة يكثر فيها عتاب الحبيب ، والأصل في العتابا أن تأتي على البحر الوافر ( مفاعلتن مفاعلتن فعولن)، وكثيراً ما ينشز الناظم في الوزن حتى يصل إليه بوساطة الغناء . يا سمرا/يا سمرا اللونا/راحو الحبايب/عين الله/وما ودعونا لوّح لي بإيدك/قلبي يريدك/الله يعيدك/يا عيني/قلبي ما هونا و « الميجانا» مقاطع شعرية تلازم العتابا ، فهي ترس العتابا وغطاؤها ، بحيث تقع بين مقاطع العتابا الرباعية ويؤديها الكورس ، وغالباً ما تكون على وزن الرجز : (مستفعلن مستفعلن مستفعلن ) . ميجانا ويا ميجانا ويا ميجانا يا رب تجمع بالحبايب شملنا العتابا والميجانا معاً صورة مغناة للعلاقة التي تربط الفرد بالجماعة ، وهما معاً مركب فني غنائي يحمل دراما الحبّ في بنيته الداخلية . و « الشدّيات نشيد» المعارك ، وهي من أقدم ألوان الشعر الإيقاعي ، كانت الشدّيات بمرافقة الدبكة تقوم بتحميس الجماعة للقتال والتعبئة وتمجيد العائد من المعركة والتغني بالانتصارات ، حيث تقام الاحتفالات الشعبية في الساحات العامة وتنشد الشدّيات : وإن هللت هللنا لك طقينا البارود قبالـك وإن هللت يا صبيّة الواحد منا يقابل ميّة ومنها شدّيات المظاهرات والأفراح وشدّيات الموالد وختم القرآن ومتاعب العزوبية وخطبة الأهل والزواج . إن قيمتها الأساسية تكمن في أنها وثيقة سياسية واجتماعية ونفسية تعطي التاريخ بعده الفولكوري . يدرس الكتاب كذلك أغاني الأطفال وشدّياتهم وشعر المناغاة والملاعبة والهناهين التي هي تعبير عن مشاعر الفرح: ها ها يا ست «فلانة » يا فاولة خضرا ها ها وقموعك ذهب وشروشك فضة ها ها سبحان من زيّن البستان بالخضــــرة الشرق والغرب بيدعو لك من على بكـرة ثم يدرُس الكتاب أغاني الفراتيين والبادية ، فيعتبره تنوع وثراء وعناق الصحراء للماء، ويعرّف ( الأبوذية والميمر ونظم البنات والهوسة والمَرْبع والنايل والسويحلي والموليّة والشوملي واللالا ) إلى أن يصل إلى شعر البادية الغنائي فيعرفنا بالقصيد والسامري والحداء والهجين والحوارب والدحّة والشروقي والحماشي والنبطي الذي يدعى أيضاً بالركباني ، وينظّم على أبحر متعددّة أهمها البسيط ، تقفّى صدوره بقافية وأعجازه بقافية أخرى ، يقول محمد بن راشد المكتوم من قصيدة له: دموع العين سفّاحة كما جرى من الوديان/من العين منثورة عسنّ الدمع يطفيها شكالك من هو أسبابُه تنابت دونّــه/فلا الشكوى على الشاكي حكمها نفس قاضيها وينتهي الكتاب بالقدود الحلبية والموشّح ، فالقدود منظومات غنائية أنشئت على عروض وألحان منظومات غنائية شعبية ، بحيث يتم المحافظة فيه على الوزن والإيقاع الموسيقي ، مستبدلاً النصّ الشعبي القديم المكتوب غالباً بالعامية بنصّ جديد مكتوب غالباً بالفصحى ، أما الموشّح فيتألف من ستة أقفال وخمسة أبيات ، ويطلق على القفل الأخير اسم «الخرجة» وتكون بالعامية ، ومن الموشحات ما جاء على بحور الشعر المعروفة ، ومنه ما خالف الوزن المعروف بإدخال كلمة أو حركة تتخلل فقرات الموشح، ومن الموشحات الحلبية التي لحنها عمر البطش ومقامه النهاوند: من يوم حبيّت ما بشوف النوم /عشقته تاهت أفكـــاري لو الحبيب ينصفني يـــوم /ما كنت بقول منّه يا ناري المؤلف في سطور : عبد الفتاح رواس قلعه جي ، أديب وباحث ومؤلف مسرحي ، ولد في حلب عام 1938 م. ، وحصل على الإجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق عام 1965 م. مارس تدريس اللغة العربية في ثانويات حلب والجزائر ، ثم ندب للعمل في إذاعة حلب ، جرى تكريمه عدّة مرات ، لـه العديد من الكتب ، أهمها : خير الدين الأسدي ، دمشق 1980 – أمين الجندي ، دمشق 1988 – ياقوتة حلب ، عماد الدين النسيمي ، دمشق 1991 ، حلب القديمة وأسواقها ، بيروت 1989 – عمر البطش ، دمشق 2004 – التواشيح والأغاني الدينية في حلب ، الكويت 2006 – وله العديد من المسرحيات وقصص الأطفال . دراسات ونصوص في الشعر الشعبي الغنائي - عبد الفتاح رواس قلعه جي - وزارة الثقافة – دمشق 2009 -عدد الصفحات 184 صفحة – قطع كبير |
|