|
كتب
إذا فالحكاية التي تتناقلها الشفاه ويرويها الرواة جيلا بعد جيل تملك من عناصر التشويق والإثارة والتماسك والعبرة ما يؤهلها لأن تكون أكثر قدرة على تحدي كل الكتب والصفحات التي يمكن أن أقرؤها. ليس مهما هنا البحث عميقا لأعرف كيف استمدت جدتي تلك الحكايات الآسرة التي كانت تلبس لبوس الواقع وتكاد تنبع منه بطريقة مذهلة فهذا أمر متروك للباحثين ولكن عندما وقع في يدي كتاب الأخوة غريم وقرأت قصة رانزبول تذكرت قصة سرايا بنت الغول التي طالما سمعتها من جدتي وفتحت عيني على أن الحكايات تتناقل وتنتشر كالعطر ويتفاعل معها الناس لدرجة تحويرها وجعلها تتبع للمكان الذي تحكى فيه واعترف أن جدتي قليلا ما كانت تروي الحكاية نفسها في كل مرة لكنها كانت تحور في الحكاية مما يجعل نقل التفاصيل مثلما حكتها للمرة الأولى غير ممكنا وخصوصا أنها كانت تملك من القوة ما يؤهلها لجعل الحكاية حكاية أخرى مختلفة تماما .لكنها أيضا تثير دهشة أخرى مختلفة عن أي رواية سابقة وعندما كنت أسأل جدتي لماذا تغير في الحكاية كانت تفسر أن الجو و المستمعين يتطلب فلفلا ..لدرجة أن فلفل جدتي كان قويا مرات لدرجة أننا كنا نذهل كما لو أننا نسمع الحكاية للمرة الأولى . وهذا التطابق بين قصص جدتي وتشابهها مع قصص أخرى جعلني أفكر أيهما النص الأقوى الأصل أم حكاية جدتي بالرغم من أن الجواب كان واضحا، صحيح أني فوجئت بوجود أصول لحكايا جدتي لكن قصصها كانت أكثر تأثيرا في َوالدليل أني ما زلت أتذكرها إلى الآن وكأنها هي الأصل وكنت أسألها في كل مرة تحكي الحكاية هل حدثت حقيقة هذه الحكاية فكانت تقول المهم أن حكايتي موجودة الآن ..... والحقيقة أن حكايا جدتي تفوقت على الحكاية الأصل التي كانت بعيدة جدا عن الواقع وأشبه باسطورة بينما حكايا جدتي كانت تشبه واقعها ونساؤها يشبهنها ويشبهن حياتها وعذاباتها . كبرت الحكاية وكبرنا معها ...شخصيا وإن عرفت متأخرة أن ثمة أصول لهذه الحكايات لكن النص المحرف على لسان جدتي على نحو دينامي جميل بقي صامدا إلى درجة أنه بدا لي أنه أصل قائم في حد ذاته ولا يضارع. وكل ما أعرفه هوأن حكايا جدتي كانت آسرة فلا أحد يستطيع أن يجعلنا نصغي ذلك الإصغاء سوى صوتها حيث كنا نتجمع مسحورين وننسى كل شيء سوى تلك العوالم السحرية التي كانت تأخذنا إليها حيث نحلق معها إلى عوالم أخرى غريبةونشحن بطاقة إيجابية ثم ننام هانئين. |
|