تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مفارقة الزمن الرديء!

كل أربعاء
الأربعاء 26-5-2010م
سهيل ابراهيم

المفارقة الكبـرى في العلاقات العربية الأمريكية في التاريخ الحديث، تكمن في تلبية العــرب للمصالح الأمـريكية بكل تلاوينها دون أي ثمن، و إسقاط المصالح العربية من حسابات الســـــــــياســــــــة الأمـريكية في السلم والحرب، دون اعتبار لأي رد فعل قد نجازف به، بعد أن اختبــرتنا الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ أكثر من نصف قــرن،

و تيقنت من دمنا البارد، و ضعف مناعتنا أمام المشيئة الأمريكية القاطعة !‏

مــوارد الــذهب الأســود عندنا برســــم المصلحة الأمـريكية، تـتـدفـق في شـرايين الدورة الاقتصادية الأمـريـكـيـة كل صبـاح لتراكم مستويات الرفاه و التقدم الصناعي و تضيء مصابيح الحلم الأمريكي القديم الجديد بالتربع على عرش الكون، و الثروات النقدية العربية تقرع كل صباح أبـواب المصارف الأمـريكية لتستقر في خزائنها، و تتحول في لعبة الإقراض المصرفي، إلى فرص للاسـتـثـمار و البناء و اجتذاب الأيدي العاملة، و تفكيك عقد الأزمات التي تعصف بالسـوق الرأسـمالي بين وقـت و آخر، و الموقع الاسـتراتيجي للخارطة العـربية وســط العالم، صار ملعباً لخيول الطامعين الأمـريـكـيـيـن بالهيمنة على البحار و الأنهـار، و تـراب الأرض، و التحكم بالمضائق و طرق التجارة و مخافر الحدود و معابر التهريب و أوكـسجـيـن الهواء في غـرف نوم العـرب، انـتـشـرت قواعد السـلاح الأمـريكي كالفطر حول منابع النفط، و تبخترت الأسـاطيل الحـربية قرب سـواحلنا مزهوة ببطاريات الصواريخ البالـسـتية، و طائرات الشـــبـح و مــنـتـجـات الأفـران النـووية، و فرق الكوماندوس المدربة على اجتياح عواصمنا كلما اقتضى الأمر!‏

كل هذه الميـزات وفرناها لصانع القرار الأمـريكي، منذ أكثر من خمسة عقود، فماذا وفر لنا بالمقابل، وبما جاد علينا في مناخات السلم و الحرب، و كيف نبدو في مرآته!؟‏

مـنـذ عـام 1967 طـوَّب صانع القرار الأمريكي الكيان الإرهابي «العبري» الذي اغتصب فلسطين من بين ضلوعنا، مسـتودعاً حربياً للسلاح الأمريكي تستطيع ذراعه الطويلة أن تضرب حيثما تشاء في مشرقنا و مغـربـنـا، بميـزان قوة يـمـيـل في مختلف الظروف لمصلحته، و بذلك يكون رجل الـبـيـت الأبـيـض و أركـان حـربه، قد عملوا على تجريدنا بالسياسة و بقوة السلاح من حقنا في تحـريـر أرضـنـا و إنصاف الشــعـب الفـلـسطيني المنفي في مخيمات اللجوء، فبالسلاح عززت واشـنـطـن تـفـوق تل أبـيـب على جميع العـرب، كي تحتفظ بأسلابها التي غنمتها في الحروب، و بالسياسة كان المندوب الأمريكي في مجلس الأمن ينتظرنا دوماً رافعاً عصا الفيتو في وجوهنا كلما لاح لنا بريق أمل بانتزاع قرار عادل من أنياب المجتمع الدولي الذي تحول في النهـايـة في بعض مفاصله إلى مجرد توابع تدور في الفلك الأمريكي!‏

لم يتردد صانع القرار الأمـريكي، حين لاحت له الفرصة، بالنزول بجيـشه وأسـلحته في قـلـب إحـدى عـواصمنا، فاحتل بغداد وأطلق في بلاد الرافـدين ريحاً شيطانية بددت فيها البشر والشـجـر وحـولـتها إلى منصات للقتل جـنوباً وشـمالاً يلتهمها الحريق، وتنهش لحمها كلاب الشـركـات الأمـنـية، ويقبض على ثرواتها لصوص شــركات النفط وتجار الســـلاح وعملاء شــركات الإنشــاء المتأهبة لتعميـر خـرائـب وطن اكـتـسـحه الزلزال الأمريكي المشـفـوع بحجة الديمقراطية المعلبة الشوهاء!‏

على مدى أكثر من خـمـسـيـن عاماً، كان هذا ما أعطيناه لأباطرة العصر الأمريكي، وما بادلونا به من عـسـفٍ واغـتـصـاب واحتلال، في مشهد شكـَّل هذه المفارقة الكبرى، التي بتنا من خلالها نطعم لحومنا للذئب طمعاً فـي حمايته لنا من ذئاب موهومة لم نعثر يوماً لها على أثر، أرخصنا مواردنا وثرواتنا لصانع القرار الأمـريكي، فقابلنا بالاحتلال وتزويد الكيان الصهيوني بأحـدث سـلاحـه وأقصـى نفـوذه السـياسـي ليصادر حقوقنا ويفترس أحلامنا في التحرر وبناء الـذات، فــتــحــنـا له أرضنا وبحارنا ملاذاً آمناً لقواعـده الحربية، فحولها إلى قواعـد لإرهابنا وملاحقة طموحنا القومي، ونزوعنا لإنجاز وحدتنا القومية، فإلى متى سوف تدوم هذه العلاقة الظـالـمـة بـيـن هذا الطغيان الإمبراطوري المأخوذ بجنون العظمة، ووداعتنا التي لم تعد تحمل غـيـر معاني الاستكانة والخنوع؟ هل نمضي في بيع لحومنا للجزار الموغل في ذبحنا، أم إننا سنصحو على مصالحنا في اللحظة المناسبة ونعلن العصيان !‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية