تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الرأسان متشابهان

صفحة ساخرة
الخميس 20-5-2010م
معتصم دالاتي

أديب وناقد معروف له اهتمامه وولعه بالكتابة عن الأدباء والشعراء عامة، الحماصنة منهم بشكل خاص،

هذا الناقد دعي مرة إلى إحدى البلدات السورية لإلقاء محاضرة عن شعراء حمص فذهب إلى تلك البلدة متأبطاً أوراق محاضرته يتحدث فيها عن بعض شعراء مدينته،والله العلي القدير الذي يعلم الجهر ومايخفى وحده يستطيع إحصاء عدد الذين يكتبون الشعر في مدينة حمص.‏

ولعل تعليق صديقنا «أبو ممدوح» الذي مارس كتابة الشعر في أيام الولدنة قد أوضح المسألة بأسلوبه الظريف حين شكا من كمين شعري تعرض له مرة في المقهى، إذ قال: إنك حين تجلس مع شخص أو صديق تعرف عنه كتابة الشعر، فإنك تستطيع أخذ حذرك في أن لاتتيح له فرصة ليقرأ لك شعره،أما حين تجالس شخصاً لاتعرف عنه تلك السوسة، فإنك تكون في حالة اطمئنان وارتياح، ويتابع أبو ممدوح ماحدث معه في أنه كان يجلس مع شخص لم يسبق له أن ظهرت عليه الإصابة بتلك الجائحة أي كتابة الشعر، وإذا بهذا الشخص يفاجئه بقصيدة استلها من جيبه وراح يقرؤها على مسامعه دون شفقة أو رحمة ولم يكتف بذاك بل أصر بعد الانتهاء منها على أن ينتزع منه إعجاباً بتلك القصيدة التي لم تكن على البال ولاعلى الخاطر، ولم يجد صديقنا رأياً أوتعليقاً على القصيدة سوى أن يقول: ربنا قنا عذاب النار.‏

ولعل الشاعر الإيطالي دانتي في الكوميديا الإلهية وقبله أبو العلاء المعري في رسالة الغفران قد فاتهما أن يأتيا على الشعرالجيد والفن الجيد كمكافأة لعباد الله الصالحين المقيمين في جنات الفردوس،وأن يكون الشعر الرديء والفن الرديء كإحدى وسائل التعذيب لمن كان مثواه الجحيم والعياذ بالله.‏

أعود إلى صديقنا الناقد الذي توجه لإلقاء محاضرته عن شعراء حمص في إحدى محافظات القطر، وقد حفلت أوراق محاضرته بعدد من شعراء المدينة بما يتسع الوقت المحدد للمحاضرة.‏

وفي المركز الثقافي أو اتحاد الكتّاب حيث ترتكب المجازر الشعرية في هاتين المؤسستين، إضافة إلى مؤسسات ثقافية أو غير ثقافية أخرى التقى المحاضر بصديق حمصي جاء ليحضر المحاضرة عن شعراء أهل مدينته التي تركها حيث وجد رزقه في هذه المدينة الجديدة التي تقام فيها المحاضرة.‏

وكان له في حمص أخ توفاه الله كان يمارس الشعر بالإضافة إلى عمله التجاري في دكانه.‏

فرح هذا الحمصي المغترب بالأديب الناقد الآتي من حمص ورحب به كثيراً ولعله ربط عليه على العشاء بعد انتهاء المحاضرة. وقال له مسامراً: لا شك أنك أنصفت أخي المرحوم في محاضرتك عن شعراء حمص . مفترضاً أن شعر أخيه كشعر المتنبي مازال حياً بعد موت صاحبه، وهو الذي لم يكن معروفاً كشاعر في أثناء حياته. وهنا ارتبك المحاضر، فهو لم يأت في محاضرته عمّن هم أكثر أهمية من ذلك الشاعر المرحوم. فمن أين له بالوقت الذي يستطيع فيه ذكر أسماء جميع شعراء حمص ؟ وهو الذي أصدر كتاباً عن الحركة الشعرية المعاصرة في حمص، وكان ذلك عام الثمانين من القرن المنصرم وقد ذكر فيه ستة وتسعين اسماً من ذكر وأنثى يعاقرون الشعر بمستويات مختلفة.‏

لكن صديقنا الناقد أثناء محاضرته، وإكراماً لصديقه الحمصي القديم الذي تجشم عناء حضور المحاضرة من أجل أن يستمع إلى ما يقال عن أخيه المرحوم، فقد لجأ، وأعني المحاضر، إلى استبدال اسم عوضاً عن اسم. فكان يقرأ اسم الشاعر المرحوم عوضاً عن اسم شاعر كان قد خصص له حيزاً في محاضرته. وحين سألناه كيف استقامت معك الأمور؟ اكتفي بأن قال: الرأسان متشابهان. وفي محاضرتي لم أتعرض بالنقد أو التجريح لأي من الشعراء، وقد خرج الآخ من المحاضرة مبسوطاً مني وشاكراً لي وفرحاً بأخيه الشاعر المرحوم دون أن يعرف أن ما سمعه عن أخيه هو مكتوب لشاعر آخر فالضرورة لها أحكام. وسبحان مقسم الأرزاق.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية