تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حافظ إبراهيم.. الشــاعر المحامـي والعسكري والشرطي!

صفحة ساخرة
الخميس 20-5-2010م
نصر الدين البحرة

هناك وجهان مختلفان، كوجهي القمر، في سيرة الشاعر الكبير حافظ ابراهيم 1871- 1932 الذي يوصف بأنه شاعر مصر القومي، فقد توفي والده، قبل أن يتكلم، ثم تبعته أمه بعد قليل، فتعهده بعض أقربائه.

مع ذلك ففي الوجه الآخر كان حافظ بهجة المنتديات يفيض أنساً ومرحاً وفكاهة و« قفشات» وقد ترك ديوانا في مجلدين وترجمة بتصرف لرواية فيكتور هوغو «البؤساء» و«ليالي سطيح» إضافة إلى كتب أخرى.‏

على الرغم من نشأة شاعر النيل حافظ ابراهيم نشأة فقيرة تعيسة بائسة فإنه كان يعد في الظرفاء. لقد توفي أبوه وهو في الرابعة من عمره سنة 1876 فكفله خاله وأدخله المدرسة الخيرية بالقلعة، وبعد ان تنقل بين عدد من المدارس، امتلأت نفسه بغضاً للنظام المتزمت الذي يفرض على الطلاب فيها فهجرها، ثم لم يلبث أن هجر خاله الذي يبدو أنه كان يتذمر من نفقاته وترك له هذين البيتين من الشعر:‏

ثقلت عليك مؤونتي إني أراها واهية‏

فافرح فإني ذاهب متوجه في داهية..‏

يوم المحاماة لاتحتاج شهادة‏

وهكذا أصبح بلا عمل ولا مأوى ولما كانت المهن لم تنظم يومذاك، فقد أصبح محاميا ولكن المحاماة تحتاج إلى صبر وهو قلق، وتحتاج إلى بحث وهو يمقت البحث، وتحتاج أخيرا الى نظام فتركها غير آسف عليها ماذا بقي إذاً أمامه؟ لاسبيل إلا الكلية الحربية.‏

فعمل فترة في الجيش ثم الشرطة، ثم سافر إلى السودان في الحملة التي كانت بقيادة كتشنر.. ولم تعجبه هذه المهنة أيضا.. فراح يبكي حظه المنكود إلى أن جاءه الفرج يوم حسب في عداد بعض الضباط المتمردين الذين حوكموا.. ثم سرحوا..‏

قوي الصوت حسن الإلقاء‏

وعاد حافظ إلى القاهرة وراح يغشى مجالسها وبينها مجلس محمد عبده وسواه من الوجوه الثقافية والأدبية والسياسية. ولما كان قوي الصوت جيد الشعر حسن الإلقاء، حاضر البديهة والنكتة، فقد أفسح له مكان طيب في مثل هذه المجالس.‏

وخلافاً لأحمد شوقي الذي تنافس وإياه على إمارة الشعر فإن أشعار حافظ الظريفة كانت قليلة. وربما يعود ذلك إلى تلك النشأة التعيسة التي استهل حياته بها، فتركت نبرة الحزن في شعره والقلق في حياته..‏

بعض شعر حافظ الطريف‏

ونحن واجدون شيئا من الطرافة في بعض شعره، فقد كتب مرة إلى جار له يوم زفافه:‏

أ« حامد» كيف تنساني وبيني‏

وبينك يا أخي صلة الجوار‏

أيشبع مصطفى الخولي وأمسي؟‏

أعالج جوعتي في عقر داري‏

وبيتي فارغ لا شيء فيه‏

سواي وانني في البيت عار‏

ومالي جزمة سوداء حتى‏

أوافيكم علي قرب المزار‏

فإن لم تبعثنَّ إليَّ حالا‏

بمائدة على متن.. البخار‏

تغطيها من الحلوى صنوف‏

ومن حمل تتبل بالبهار‏

فإني شاعر يخشى لساني‏

وسوف أريك عاقبة احتقاري‏

يشبه شعراء الكدية.. أحياناً‏

ويبدو أن هذا الفقر لازمه زمانا غير قصيد لأننا نقرأ له شعرا تبدو فيه آثار العوز العميقة ويذكرنا على نحو ما ببعض شعراء الكدية:‏

عزت السلعة الذليلة حتى‏

بات مسح الحذاء خطبا جساما‏

وغدا القوت في يد الناس‏

كالياقوت حتى نوى الفقير الصياما‏

ويخال الرغيف في البعد بدرا‏

ويظن اللحوم صيدا حراما‏

ولكن شبح الفقر زايل الشاعر نهائيا، إذ أنعم عليه برتبة البكوية ثم وسام النيل.. وعين بدار الكتب المصرية.‏

الهوامش‏

1- محمود السعدني- الظرفاء- دار أخبار اليوم- القاهرة 1992- ص 30- 31‏

2- المصدر السابق - ص 32-33‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية