|
مجتمع صمت جدي قليلاً ثم قال: «يا سابع... يا تاسع». واليوم وأنا أراقب المشهد الدراسي على الساحة العائلية والمنطقة التي اسكن وخاصة أننا في أيام شهر المراجعة - ترحمت على أيام جدي وقلت في نفسي. «عين جدي تشوف» عائلات بأكملها متأهبة تماماً صغيراً وكبيراً لأيام المراجعة, وبرنامج معقد مدروس من قبل الأب والأم وبموافقة من الابن – طالب الشهادة –على كيفية تمضية اليوم، فقد تغير موعد الغداء تماشيا مع وقت استراحة الابن، ووقت القيلولة صار مابعد الدرس الخصوصي، وميزانية العائلة منذ الصيف الماضي كانت قد خططت لأن تكون أولى أولوياتها دروس التقوية ماقبل السنة الدراسية والدروس الخصوصي مابعد.. والجميع يتعاطف مع العائلة التي عندها طالب بكالوريا ويساندون الأب والأم بعبارات التشجيع والدعاء بالعون لهم أولاً, والنجاح لابنهم ثانيا... فما القصة, وهل هو استهداف مدروس من الطبقة المعلمة لتكون أحوال طلابنا على هذا الحال ؟ أم هو تقصير من المدارس الحكومية؟ أو ربما حالة اقتصادية جيدة تنعش جيوب الأهل ؟ أو من الممكن أن تكون قلة حيلة وعين أصابتنا... لنحسب ألف حساب لسنة البكالوريا.. حتى أنا تأثرت مما سمعت وجلست أعد على أصابعي منذ الآن.... عندما يكون ابني في البكالوريا هل ستكون سنة «مونديال كأس العالم»..... توتر الأهل السيدة /ندى ملوك/ والدة لطالب بكالوريا تقول: منذ بداية العام الدراسي بدأت النفوس في البيت تسوء وتتوتر وكأنه شبح سيدخل البيت ولن يخرج حتى إعلان النتائج.. لقد تغيرت أحوال البيت كله وأصبح همنا تلبية متطلبات ابني طالب البكالوريا، حتى ولو على حساب إخوته, حتى علاقاتنا الاجتماعية أصبحت شبه معدومة, لا نذهب لزيارة احد, كي لا يرد لنا الزيارة, والهم دائما يساورنا كلما قرع الجرس أو رن الهاتف.. هذا بالإضافة إلى العبء المادي الذي أثقل كاهلنا، فمع أقساط الدورات الصيفية هناك الدروس الخصوصية فلا نغلق باباً وراء أستاذ حتى نفتحه لآخر.. ونحن لا نملك الآن إلا الدعاء لابننا بالنجاح والتمني لو أننا قادرون على تقديم الامتحان بدلا عنه فقد حفظنا المنهاج كاملا......... السيدة /حمدة الصالح/ وهي والدة لطالبة بكالوريا تقول: قد يكون من السهل على غير والدي طالب بكالوريا القول: /ما من سبب يدعو للتوتر/ لكن ليصبح هذا القول حقيقة ملموسة لابد من أن يعاد النظر في علامات الثانوية والتي تحدد مصير الطالب, فطالب تفوق طيلة سنوات دراسته وشاء الله أن يتعرض لظرف ما، لن يستفيد من كل سنوات تفوقه السابقة, ومع كل ذلك على الأهل أن يخففوا من توتر الأجواء في البيت قدر الإمكان، فالثانوية أصبحت تشكل للأسر بكل مستوياتها عبئاً مادياً ومعنوياً، لذلك كان لابد من دروس التقوية ومن المدرسين الخصوصيين لبعض المواد هذا إذا لم يضطر بعض الآهل إلى نقل ابنهم من المدرسة العامة إلى الخاصة ربما لقناعتهم أن المدرسة الخاصة اقدر على مساعدة الطالب للحصول على التفوق كي يدخل فرعاً فرضته علينا ثقافة المجتمع، فالأفضل هو الطبيب والصيدلاني وحلم الجميع أن يكونوا أطباء.. الحالة الاقتصادية لم تعد دروس التقوية مقتصرة على الطلاب المقصرين في المنهاج أو الطلاب المتوسطي الذكاء بل اصبحت ميزة الجميع المجتهد والكسول، الغني والفقير.. والمتفرغ تماما لدروسه واللا مبالي.. كل سواء أمام موجة المعاهد الخاصة صيفاً والدروس البيتية أثناء العام الدراسي.. ولم تعد حجة ضيق الحال وسوء الأوضاع المادية تساند أصحابها فهم مجبرون على دفع مايترتب عليهم من أموال مساندة لابنهم ولإشباع عاطفة الأبوة والأمومة عندهم بأنهم أهل جيدون وعملوا ماعليهم أمام الله وأمام الجيران والأقارب.. وعند استطلاع لآراء شريحة من الأسر أكدوا جميعا على أنهم قد حضروا أنفسهم منذ السنة السابقة لبكالوريا أبنائهم بأن شدوا الحزام إما بعمل «جمعية» مع أقاربهم وزملائهم في العمل, أو عملوا على التقليل من المصروف فاستغنوا عن اجازة الصيف مثلا او لغوا فكرة تنجيد /الكنبايات/ او تأجيل شراء /الفريزا/ حتى العام القادم.... وحتى أن بعضهم قام بتشغيل ابنه في احد المعامل صيفاً ليأخذ بأجرته دروساً «خصوصية». الموجهة /رحاب/ ولديها طالبة سنة أولى طب أسنان والثانية طالبة بكالوريا تقول: لقد تحول التعليم بنظر الأهل إلى دفتر حسابات بعد ان كان في السنوات السابقة مجاناً، وأنا مررت بسنتين من دفع الاقساط للمعاهد اولا, ثم المدرسين الخصوصيين.. وأنا اسأل لطالما أن التربية تقوم بتعيين المدرسين في مدارس الدولة لماذا يعطون في الدروس الخصوصية بشكل أفضل من إعطائهم في المدرسة ؟ ومع أن بناتي المتفوقات في صفوفهن وقد درسن في مدرسة /المتفوقين/ بالقاعة إلا أنني نقلتهن إلى «معهد خاص» سنة البكالوريا، لأنني غير قادرة على تسجيلهن في مدرسة خاصة، ومع ذلك فهناك بعض المدرسين في المعهد الذين «لاحول لهم ولا قوة» وأصبحنا على مدار السنة ندفع قسط المعهد من جهة وندفع للأستاذ أيضا في المنزل من جهة أخرى، وكأن كل التزاماتنا اقتصرت على مصروف «طالبة البكالوريا» فأقطع عن نفسي وعن حاجيات البيت ونعمل على «الدخول في جمعية» «وأخذ قرض» كي نوفر المال للمعهد وللمدرسين، وأؤكد هنا أن حالتي هذه تشبه كثيراً حال كل زميلاتي وأقاربي ممن لديهم في بيتهم طالب بكالوريا، وها نحن على أبواب الامتحانات والخوف يقتلنا من علامة واحدة تكون مفصلية في حياة ابنتي ومستقبلها فعلامة واحدة تنقلها من الطب إلى الهندسة «مو حرام». وتؤكد هنا السيدة «حمدة الصالح» انها قد نقلت ابنتها في العام الدراسي السابق- والتي حالياً سنة أولى هندسة – إلى مدرسة خاصة وكان قسطها 35 ألفاً، أما هذا العام فسجلت لابنتها الثانية في المدرسة نفسها– للعام الدراسي القادم –ودفعت لها 65 ألفاً– أي ضعف مادفعته في العام السابق، هذا بالإضافة إلى دفع قسط الدورة الصيفية إن لم تحتج إلى دروس خصوصية وماذا ستكون النتيجة؟ التمني والدعاء من الجميع أهلها وجدتها وجميع أقاربها -ومن يقرؤنا- كي تدخل الطب أو الهندسة. وأضافت تقول: إنه وبشأن إغلاق المعاهد كان من الأجدر مراقبتها من وزارة التربية وتحديد أسعارها من قبلهم بدلاً من إغلاقها, وبما يحقق الفائدة لطرفي العلاقة ذوي الطالب الذين هم في الأغلب من ذوي الدخل المحدود وغير القادرين على تسجيل أبنائهم في -مدارس خاصة– مع الاهتمام أيضاً بمستوى التعليم في المدارس العامة وزيادة دخل المعلم، حينها لن يضطر الطالب إلى التسرب من مدرسة عامة إلى خاصة ولا يطمع الأستاذ بأجرة الدروس الخصوصية وتبقى المعاهد الخاصة فرصة لمن فاته الحصول على الثانوية العامة نظامياً.... المعاهد الخاصة الكثير من طلابنا في مرحلة الثانوية وخاصة في الصف الثالث الثانوي ينتقلون من المدارس الحكومية للانتساب إلى معاهد خاصة و يبررون: - الطالبة /هناء حسن/ تقول: المدارس الحكومية مفروض عليها إعطاء المنهاج بأكمله أما في المعهد فلديهم أساتذة مختصون قاموا بدراسة أسئلة الامتحانات كلها ويعرفون أين الدروس المهمة والأخرى التي نستطيع حذفها. وأنا أريد اختصار الوقت بما يناسب وقتي لأضمن أفضل العلامات, لذلك أنا أدرس /الحادي عشر/ في مدرسة حكومية أما البكالوريا فلا أخاطر وأدرسها فيها لكي أضمن علامات عالية تدخلني فرعاً ممتازاً. - الطالب /عمار المصري/ يبرر التحاقه بمعهد خاص: في المدارس الحكومية ليس جميع المعلمين فيها أكفاء, أما المعاهد الخاصة فجميع أساتذتها لديهم خبرة, لذلك ولأن العلامات أصبحت هم الطلاب من أجل القبول الجامعي ولأن المجتمع لا يفرح ويهلهل إلا لمن أحرز الطب والصيدلة لذلك أعمل على أن أكون ممن يهلهل لهم.... القبول الجامعي لقد أصبح الحصول على مقعد جامعي من الهموم الأولى لتوتر الطلاب والأهل وعندما نسأل لماذا هذا الإقبال على المعاهد الخاصة والدروس الخصوصية علينا أن نتأكد أنها ليست موضة أو صرعة غزت المدارس بل هي ظاهرة, ولنقرأ مسبباتها, ليقرأ الجميع علامات القبول الجامعي للسنة السابقة وهو بالتأكيد يعرف السبب؟ الطالب /علاء ملوك/ سنة أولى طب أسنان يقول: لقد درست البكالوريا في ثانوية الباسل للمتفوقين بدمشق وقد اتبعت دورة صيفية كانت مجرد مرحلة تحضيرية للشهادة الثانوية, ولوجود نخبة من المدرسين المؤهلين في مدرستي لم احتج إلى دروس خصوصية لأنني كنت آخذ جميع المعلومات من أساتذتي وحتى أسئلتي واستفساراتي كنت أحصل على الإجابة عنها من جميع المعلمين لي ولزملائي أيضاً ومع هذا ورغم الدراسة المكثفة إلا أن الخوف الوحيد الذي كان يرهقني هو نتائج المفاضلة وارتفاع المعدلات، فعلامة واحدة تقلب الموازنة وتغير من مسار طموحي وهذا ما حصل معي, فمجموعي كان 228 ومع ذلك لم أستطع دخول طب الأسنان -والذي هو حلمي وحلم عائلتي- في جامعة حكومية لأنني قبلت في جامعة في إحدى المحافظات، لكن مع التثقيل لم أنجح بسبب علامة واحدة في العلوم من 30 كانت علامتي 29, لكن والحمد لله أنني قبلت في جامعة خاصة «طب أسنان» على أساس منحة من التعليم العالي..... تسرب الطلاب ثانوية بهجت البيطار وللنظر في أسباب وجود ظاهرة تسرب الطلاب من صف الثالث الثانوي من المدارس العامة إلى المدارس الخاصة دخلنا أسوار مدرسة حكومية مميزة وسألنا هل تعاني المدرسة من انتقال الطالبات في البكالوريا من المدرسة ؟؟ فقالت السيدة /سناء المهايني/ مديرة الثانوية: نحن نعاني بالفعل من ظاهرة انتقال الطالبات المتفوقات في البكالوريا إلى مدارس خاصة, ربما قلّت عندنا هذه الظاهرة هذا العام لكنها كانت واضحة كثيراً في السنة السابقة مثلاً, وأنا اؤكد هنا أن المعاهد أو المدارس الخاصة تستقطب بالفعل متفوقاتنا، لذلك من الطبيعي أن يتفوقن في تلك المدارس وهذا ما يزيد من لمعان اسمها لأنهن بالأصل من انتقل إليها هن الطالبات المتميزات والمتفوقات وهذا يزيد من رصيد المدرسة عند النتائج النهائية وتصبح مركز استقطاب من الأهل الذين يتمنون لبناتهن العلامات الأفضل. أيضاً عادة اتباع الدورات الصيفية سبب من أسباب انتقال الطالبات إلى مدارس خاصة، فبعد الالتحاق بالدورة الصيفية يلمسن الاعتناء الكبير والطريقة المثلى في الإعطاء ما يجعل الطالب في حالة انبهار من المعهد الخاص ولأن المدارس الحكومية ملزمة بالمنهاج الأسبوعي المقرر تشعر الطالبة بالفرق, مع العلم أن معظم المدرسين والمدرسات في المدرسة إن لم يكن كلهم على مستوى ممتاز من الكفاءة، بالإضافة إلى أنهم يعطون بدافع الضمير قبل الواجب.. ونحن الآن مع أنها أيام مراجعة لطالباتنا إلا أننا أخذنا إذناً من مديرية التربية لإعطاء دروس إضافية ضمن أيام الأسبوع وفي أوقات محددة كي لا نشتت ذهن الطالبات وفي هذا الوقت يحصلن على الإجابة عن أي سؤال في المقرر.. وأظن أن جميع الطالبات المتفوقات عندي لم يحتجن إلى دروس خصوصية لأن المسألة تعود أولاً وأخيراً إلى الطالب الذي يقرر منذ البداية إما سأنتبه إلى درسي وأكون مكتفياً بإعطاء معلمي أو سأشرد عن شرح المدرس وامنّي نفسي بشرح آخر في المنزل...... وقد أكدت أيضاً الموجهة /إلهام / في مدرسة البيطار ظاهرة انتقال الطالبات إلى مدارس خاصة والتركيز على وجوب الدروس الخصوصية كان نتيجة الاهتمامات المختلفة والجديدة لدى الطالب والمجالات المفتوحة أمامه، من كمبيوتر وفضائيات وانترنت والتي أصبحت تشده وتأخذ حيزاً من تفكيره الذي كان منصباً على الدراسة فقط والقبول الجامعي, بعد أن كانت أغلب وسائل ترفيهنا هي قناة تلفزيونية واحدة, يشاهدها الجميع الغني والفقير... كل هذا إضافة إلى رفع المعدلات في البكالوريا ومسألة القبول الجامعي التي أصبحت تشكل رعباً للطالب وللأهل الذين أصبحوا يبحثون عن «طاقة الفرج» – مع أن المدارس الخاصة ليست أفضل من الحكومية – لكن الإنسان دائما يطمح للأفضل ويبحث بجميع الأسباب من أجل أن يقهر شبح القبول الجامعي ويوفر لابنه مستقبلاً مشرقاً، فالمعاهد والمدارس الخاصة وحتى ساعات الدروس الخصوصية فرضت على الأهل بعد أن أصبحت الجامعات حلماً ينشده الأبناء والأهل, بعد أن كانت الجامعة قادرة على استيعاب حتى الطلاب ذوي المجموع المتوسط العالي، الآن أصبحت مقتصرة على التفوق والتفوق فقط، فما عاد يدخل الجامعة إلا القلة، مع التأكيد هنا أن دراسة الطالب أصبحت مكلفة بالنسبة للأهل وهي عند شريحة كبيرة من المجتمع تعيش على الراتب ترهقه جداً و1000 ليرة تخل ميزانيته بل وتكون عند بعضهم «على حساب لقمتهم». برسم وزارة التربية والتعليم العالي إذاً ولطالما أصبحت هذه هي حال ابنائنا طلاب الشهادة الثانوية و كان ترخيص المعاهد على أساس أنها للغات فقط, أين كنا وهي تعطي لأعوام مناهج الشهادتين؟؟ ولطالما أن طلابنا بحاجة إلى مثل هذه المعاهد- لسبب ما – حين أغلقناها ماذا فعلنا ؟؟ غير تسكير الباب في وجه الطالب من ذوي الدخل المحدود الذي سيجبر أهله – المتوسطي الحال – على نقله إلى مدرسة خاصة بقسط عال جداً!! أو... لطالما أصبحت جامعاتنا تستقطب العلامات العالية لما لا نعمل على أن تكون كل مدارسنا هي مدارس نموذجية «كمدرسة المتفوقين» ولما لا نجعل علامة القبول الجامعي خاضعة لقانون الحصة أو الحزمة؟ فالقبول في كلية الطب مثلاً يحتاج إلى كذا بـ % بدل أن تدحرج علامة واحدة من طموح وجهد عام كامل, أو لما لا نلزم الجامعات الخاصة على استيعاب عدد أكبر من الطلاب, كي تأخذ حملاً عن الجامعات الحكومية, ولما لا نفكر أيضاً بأن بلدنا هي بلد يعتمد على الزراعة والسياحة ونعمل على استقطاب هذه الشريحة العمرية بما ينفع البلد، ولنتحرر كمجتمع من ظاهرة خلع القبعة للطبيب فقط.؟! |
|