تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لهذه الأسباب: تشابك التاريخ والخيال والأدب

عن مجلة اكسبريس
ثقافة
الخميس 20-5-2010م
ترجمة: دلال إبراهيم

بدأت خلال الآونة الأخيرة تكثر إصدارات الكتب التي تحمل مضامينها قصصاً غرفها كتابها من أحداث الحرب العالمية الثانية أو تناولوا فيها الحديث عن أبطال مقاومة أو مآس شهدها قرننا الماضي

وقد أثارت بعضها جدلاً حامياً بسبب تزويرها لحقائق تاريخية مثل رواية يانيك هاينل (يان كارسكي) التي نشرت مؤخراً وهنا في هذه المادة بعض من أسباب انتشار هذه الظاهرة.‏

يتعايش الأدب والتاريخ أو الأدباء والمؤرخون في وفاق وانسجام تام.‏

المؤرخون من جهتهم يستخلصون عسلهم من الأدب ويرنون إلى الخيال مع توخي الحذر اللازم حول واقع وروح العصر والأدباء من جانبهم يجدون في الأزمنة الغابرة مصدر إلهامهم وصدى عذابهم أو مجرد وسيلة للهروب من التأمل النرجسي والمآسي (كومة من أسرارهم) ومع ذلك فإن العلاقة التي تربط بين الأدب والتاريخ لا تقتصر على نوع خاص من (الرواية التاريخية) هذا النوع الذي يمكن أن نقول عنه: إنه يستفيد حسب تقليد رائده والتر سكوت من (الارتباك) ومن الغرابة الآنية.‏

هنا يمكننا أن نخترع العصور الوسطى أو شيئاً من العصور القديمة نصنع في الماضي شخصيات بطولية ونسهم في بناء رواية وطنية ونفرز فيها الأخيار عن الأشرار وهدف الكاتب كي لا نقول زعمه هو في ذروته حسب ما يمكننا أن نحكم عليه من خلال نظرية الرواية التاريخية التي تجرأ الكاتب الفريد دوفيني من إدراجها في مقدمته للطبعة الثالثة لكتاب (cinq-Mars) تحت عنوان (تأملات حول الحقيقة في الفن) فقد ساندت نظرية ألفريد دوفيني مقولة: إن الحقيقة التاريخية -في حال كانت محققة- لا يمكن أن تحد من حرية الروائي وقد كتب «يتعين على السرد أن يجمل الحدث لكي يعطيه أهمية معنوية أقوى «ويستنكر سانت-بوف لدى فيني «زيف الألوان والتنكر في الصفات والمفارقات التاريخية في الأسلوب الدائم».‏

وبعيداً عن السجالات والمعارك الدائرة في ساحة النقد الأدبي المتعلقة بجنس الرواية التاريخية يجدر الإشارة إلى الظروف الخاصة الذي عاشها جيل من الكتّاب الفرنسيين خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، أولئك الذين عاشوا عصرهم في ظل الآلام وكان الموضوع ينسج دون اعتدال ويصنع مادة رومانسيتهم في رمقها الأخير ومأساة حياتهم، لقد وصلوا متأخرين إلى عالم قديم جداً ، وقد اعترفوا أنهم كانوا يفتقرون إلى زمن الأبطال والرجال العظماء وأياً كان التزامهم السياسي كانوا في موقف لا عزاء لهم فيه لكونهم لم يعيشوا ملاحم العواطف والحماسات وحروب الثورة والامبراطورية.‏

بالإضافة إلى ذلك لم يكن أمام الأدب في تلك المراحل التاريخية حيث التاريخ يجرجر قدميه والالتزام يتوارى والاحتمالات مفتوحة سوى ثلاثة مخارج: إما أن يستغرق الكاتب التأمل وهنا يزيل أي تسلسل تاريخي ويسجل الفريد دو موسيه أفضلهم وكريستين انغو أسوأهم.‏

وإما أن يجعل الكاتب من خيبة أمله بالعالم وآلامه مصدر إلهام، وأدى ميشيل ويلبيك هذا النوع بمهارة وإما أن يجد الكتّاب الجدد في الماضي القريب والذي لم يعيشوه مصدراً لخيالهم ولقائمة استفهامهم.‏

وخلال الأعوام والشهور الأخيرة صدر في فرنسا العديد من الكتب التي تنتمي إلى هذا النوع الأدبي جرى تمحيصهم نقداً والاستفتاء عليهم جمهوراً.‏

ونذكر من تلك الروايات (المحسنون) للكاتب الأمريكي جوناتان ليتل، والذي حاز عنها جائزة غونكور الفرنسية لعام 2006.‏

والرواية الثانية كان لها نصيب أقل في النجاح ولكنها شكلت حدثاً هي (أصل العنف) للكاتب فابريس همبرت وحصلت على جائزة (أورانج) لعام 2009، والرواية الثالثة هي رواية الكاتب يانيك هاينل (يان كارسكي) المشتق اسمها من الاسم الحقيقي لشخصية بولونية قامت بإعلام قوات التحالف عن وجود معسكرات الاعتقال وأثارت تلك الرواية جدلاً صب في مصلحة انتشارها والرواية الرابعة حملت عنواناً غريباً (دماغ ايملر يدعى هيدريتش) لكاتب مغمور هو لوران بينيه ومع ذلك توج بجائزة غونكو كأول رواية.‏

وقد سنحت فرصة للأدباء لشرح أسباب شطوح خيالهم نحو الماضي خلال فعاليات (صالون الكتب)، الكاتب جورج سمبرون أكد على (فرحته العامرة) بسبب اتجاه الكتاب الفرنسيين والألمان الجدد نحو الحرب العالمية الثانية وحسب رأيه «إن لم يهتم أولئك الأدباء بتلك الذكرى فسيكون مصيرها حتماً التلاشي والموت» ولكنه ليس متأكداً إن كان اهتمام اولئك هو بتلك الذكرى أم إنهم يتكلمون عن حاضرهم بمقدار حديثهم عن الماضي وهذا ما أكد عليه صاحب رواية (أصل العنف) قائلاً: «عندما كتبت رواية عن الحرب العالمية الثانية كنت أسقطها على تلك الفترة المعاصرة».‏

ويبرر لوران بينيه عن أسباب استلهامه من الماضي جمعت الحرب العالمية الثانية كل الأشكال التي تدفعك للتفكير بالوضع البشري وأعتقد أننا سنعود للحديث عنها حتى بعد مرور آلاف السنين، إنها حرب طروادة عصرنا وأصل كل الملاحم والمآسي الحديثة.‏

حقاً إن لتلك الفترة المتأججة جاذبية لا تقاوم ومن جهة يعترف لوران بينيه المتحفظ على رأيه حول التزامات الأبطال والجلادين «تنازعني رغبة في الحياة البطولية ولم تتح لي الفرصة لأتصرف بعظمة ونبل وفي نفس الوقت عندما كتبت عن أريكتي وأطلقت أحكامي القاسية على دالادييه وشامبرلان تساءلت: من أنا لأعطي دروساً وشهادات بالجبن والشجاعة».‏

ولدى الجميع ساد ذلك الشعور أن عصرنا يبدو تافهاً قياساً لعصور عجت بالاضطرابات ويرى فابريس همبرت «أنه يمكننا المقارنة بين الأدب الذي نكتبه على خلفية الحرب العالمية الثانية وأدب القرن التاسع عشر لنجد أن أدباء (ما بعد الحرب) هم أولئك الذين عاصروا تداعيات التاريخ، هم أولئك الذين أصيبوا بخيبة أمل بالغة من انهيار التاريخ وسطحية الوجود وهنا يمكن أن تولد الرومانسية من جديد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية