تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مـــــن دفتــــر الذكريــــات.. كلنـــــــا عـــــرب

ثقافة
الخميس 20-5-2010م
بقلم: الدكتور إحسان هندي

حسن الهندي- أو بالأحرى «البكباشي حسن الهندي- لمن لا يعرفه، هو قائد اللواء الأول في الجيش العربي السوري في زمن فيصل ( 1919/1920) ، ومن زار متحف دمشق الحربي

فلابد أن شاهد صورة له. وهو يتسلم علم هذا اللواء من يد الملك فيصل، بعد إعلان سورية مملكة عربية مستقلة في 8 آذار 1920.‏

وقد تعرفت بأنجال السيد حسن الهندي، قبل أن أتعرف به شخصياً، فقد تعرفت بنجله مهيب الهندي يوم كان برتبة «طالب ضابط متقدم» في 20/10/1949، وهو يوم دخولي برتبة «طالب ضابط مستجد» إلى الكلية الحربية في حمص، وكان من التقاليد العسكرية المتعارف عليها أن يعين «طالب ضابط متقدم» لكل «طالب ضابط مستجد» في اليوم الأول لدخوله الكلية، حيث يعرفه بأهم التعليمات الواجب مراعاتها قبل أن تطبق عليه التعليمات العسكرية بحذافيرها بدءاً من اليوم التالي لوجوده في الكلية .‏

ولا أدري إذا كان اشتراكنا في حمل اسم «الهندي» قد لعب دوراً في تعيينه هو بالذات لمرافقتي في يومي الأول بالكلية أم إنه جاء مصادفة .‏

وتعرفت إلى النجل الثاني للمرحوم حسن الهندي، وهو الأستاذ ( فاروق الهندي) أثناء دراستي في قسم التاريخ بجامعة دمشق بين 1958 و 1961 ، وعرفت منه أثناء تبادلنا الحديث كزميلين في قسم واحد أنه ابن أحد قيادة معركة ميسلون ( حسن الهندي) وأنه شقيق للضابط المعروف (مهيب الهندي).‏

وفي عام 1961 تعرفت إلى دور القائد ( أي المقدم حالياً) حسن الهندي في معركة ميسلون بشكل أفضل، وذلك من خلال كتابتي لموضوع بعنوان ( كفاح الشعب العربي السوري في سبيل الجلاء) وهو الموضوع الذي نلت عنه جائزة البحوث القومية والعسكرية لعام 1962.‏

حصل كل هذا قبل أن أقابل السيد حسن الهندي شخصياً بينما كنت قد تزاملت مع اثنين من أنجاله كما أسلفت .‏

ثم حدث اللقاء نحو عام 1964 ، عندما كنت أجمع المصادر اللازمة لكتابي «معركة ميسلون» ، حيث وجدت أنه من أول واجباتي أن أقابل القائد المذكور بعد أن قرأت في جلى المراجع الفرنسية والعربية أن هناك قطعة عسكرية سورية واحدة ووحيدة حاربت في ميسلون وهي قوات القلب التي كان يقودها المقدم حسن الهندي والتي كان يوجد فيها القائد العام للجبهة الأميرالاي حسن تحسين الفقير وجلالة الملك فيصل .‏

كان دليلي لإجراء المقابلة المرحوم سهام الترجمان، الذي اصطحبني إلى منزل المرحوم حسن الهندي في حي المهاجرين.‏

وقدم لي صاحب البيت عند المقابلة كل ما بقي في ذاكرته من معلومات، ولكنه لم يكن يحتفظ بأي وثائق يمكن أن يقدمها لي، ثم سألني عن شجرة عائلتي، وهو يرمي من وراء هذا السؤال- كما فهمت- إثبات قرابة عائلتينا.‏

وقلت له مازحاً:‏

- من أين سيكون لي هذا الشرف وعائلتي عائلة مزارعين كادحين بينما عائلتكم عائلةموظفين وضباط كبار، كما أن لون أفراد عائلتكم أشقر أصهب بينما لوني أنا أسمر يميل إلى السواد!‏

فضحك حتى القهقهة، ثم استأذن للغياب قليلاً وعاد بمجموعة من الصور الشخصية قال: إنها تخص « أقاربنا» من الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى سورية عام 1948/49، وقال لي أن أتمعن بهذه الصور فتمعنت بها، والغريب أنني وجدتها تمثل رجالاً يشبهونني كإخوة لي، بل إن إحدى هذه الصور تمثل شاباً يشبهني إلى حد التماثل!‏

وسألته أن يفسر لي هذا الأمر فقال: - أؤكد لك أننا- أنا وأنت والفلسطينيون من أسرة واحدة، أو بالأحرى من عشيرة عربية واحدة اسمها «الهنادوة» كانت تسكن في بادية شرقي الأردن، وأثناء حملة نابليون بونابرت على عكا عام 1799 استعان والي عكا بأفراد هذه العشيرة، وبعشائر أخرى، حتى تم له صد الحملة الفرنسية على عكا، فقام بتسريح أفراد العشيرة الذين آثروا حياة الاستقرار في الأرياف والمدن منذئذ، وهكذا استقر بعضهم في فلسطين، بينما ارتحل القسم الأكبر منهم إلى سورية ولبنان، وهكذا يوجد اليوم آل الهندي في دمشق، وآل الهندي في بيروت، وآل الهندي في حماة وحلب.‏

والحقيقة أنه على الرغم من حسي التاريخي الناقد، فقد بدا لي كلام المرحوم حسن الهندي منطقياً، وقد آمنت بنظريته حول قرابتنا منذ ذلك التاريخ .‏

وقد وضعت هذه النظرية موضع التطبيق في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، بعد وفاة المرحوم حسن الهندي ونجله المرحوم مهيب الهندي، حين كنت أسوق في إحدى الأماسي سيارتي في شارع أبي رمانة صعوداً باتجاه المركز الثقافي لحضور محاضرة .‏

وعندما أصبحت قريباً من ساحة المدفع أحسست بسيارة صدمتني من الخلف وأحدثت بعض الأضرار، ومن البدهي أن صاحب السيارة الخلفية يتحمل الضرر اللاحق بالسيارتين في هذه الحالة .‏

نزلت من سيارتي فوجدت امرأة في أواخر العشرينيات تنزل من سيارتها، وقد بدأت بالاعتذار عن خطئها وعن الضرر الذي أحدثته، وقالت إنها مستعدة لتحمل الضرر بكامله .‏

طلبت منها عندئذ هويتها لأخذ الاسم بالكامل ووجدت أنها من آل الهندي، وأنها ابنة ( المرحوم) مهيب الهندي كما يظهر من بطاقة الهوية!‏

أعدت بطاقة الهوية إلى صاحبتها وسألتها:‏

- أنت ابنة المرحوم الضابط مهيب الهندي؟‏

-- نعم!‏

- وأنت ابنة أخ أستاذ التاريخ فاروق الهندي؟‏

-- نعم!‏

- وأنت حفيدة بطل ميسلون القائد حسن الهندي؟‏

-- نعم!‏

- إذاً نحكم عليك بالبراءة، ولا نطالبك بقرش واحد في سبيل إصلاح السيارة .‏

- ولماذا يا أستاذ ؟‏

-- لأنني من أقربائكم، فأنا من آل الهندي أيضاً.‏

وتركت الفتاة مشدوهة ثم أقلعت بسيارتي باتجاه المركز الثقافي العربي؟‏

ولم أقل لها اسمي بالرغم من أنني كنت واثقاً بأن جدها أو أباها أو عمها حدثوها عني وعن قرابتنا في أحد الأيام الخوالي .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية