تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إشعال الحروب ...و السباق إلى الصدارة العالمية

شؤون سياسية
الثلاثاء 2-3-2010م
علي سواحة

كثيراً ما تفاءل العالم بأن عام 2010 سيكون نهاية عقد الحروب حين ارتفعت وتيرة الأمل بأن الرئيس الأمريكي أوباما سيفي بتعهده في إنهاء احتلال قواته للعراق ولأفغانستان وبإقامة دولة فلسطينية،

وبالتالي سيغلق باب الحروب التي كان بطلها بامتياز الرئيس الأمريكي السابق بوش، إلا أن حالة التفاؤل تلك انقلبت كما يبدو رأساً على عقب مع ثقل جعبة الظروف التي بعثت حالة تشاؤم من جديد مع تعثر خطوات أوباما جراء مسلسل الضغط عليه ومع تفاعل الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الأمريكي، ما جعلت عام 2010 يبدو أنه عام إطالة الحروب الأمريكية والاستمرار فيها إن لم يكن توسيع رقعتها في مناطق أخرى في ظل ما نشهده حالياً، حين نقلت أمريكا الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر خارج العراق وأفغانستان أي إلى باكستان واليمن والسودان وربما لدول أخرى كإيران كي تبقى اليد الطولى لها وحليفتها إسرائيل ، وبالتالي نقل عالمنا من ضياع إلى ضياع جديد.‏

مثل هذا التراجع الأمريكي المؤسف لم يأت من فراغ بقدر ما جاء على خلفية استراتيجية لابد من تنفيذها تحت هذا الغطاء أو ذاك، شعارها البقاء أو الحفاظ على النفوذ العالمي الذي بدأ يسجل انحساراً لمصلحة الولايات المتحدة على حساب تقدم نفوذ قوى عالمية جديدة أثبتت امتلاكها لغة التفوق بصورة مبهرة على مضمار السباق العالمي، وهي اليوم تنافس على مواقع الصدارة شاءت واشنطن أم لم تشأ وفي مقدمة هذه القوى الصين وروسيا وإيران واليابان، حيث رسمت تلك القوى طريقاً لها لا يهمها سوى السير عليه لبلوغ المرتبة الأولى وإزاحة أمريكا عنها.‏

وهذا بالطبع ما استدركته واشنطن بالآونة الأخيرة وكان عليها بطبيعة الحال الاستدارة من جديد لإعادة الهيبة المفقودة لها واستردادها بسرعة، وهذا بالطبع لا يتم إلا عن تحقيق المزيد من السيطرة والتوسع في النفوذ في أهم مناطق العالم ولاسيما التي تختزن الاحتياطي الأهم من الطاقة وخاصة في منطقة الخليج العربي، حيث شاهدنا في الأيام الأخيرة ما شهدته هذه المنطقة من حشد عسكري أمريكي إضافي براً وبحراً وجواً يراد منه إحكام القبضة على هذه المنطقة الاستراتيجية الأولى في العالم كي تبقى تحت السيطرة الأمريكية لأنه من امتلكها أو سيطر عليها ضمن عناصر التفوق واستمرار الهيمنة على مقدرات العالم، وبالتالي انفراده في قضايا العالم كما يراد من هذا الحشد العسكري دفع الأمور نحو التفجير مع إيران كونها في نظر واشنطن الخطر المقبل و الداهم على مقدرات المنطقة على خلفية ملفها النووي الذي يتسارع خطاه بما يجعل أمريكا والغرب وإسرائيل يهيجون كالثور الفاقد لبصره.‏

إذاً تراجع أوباما عن عهوده لإغلاق باب الحروب هو بالحقيقة أمر لم يكن مصادفة بقدر ما هو دفع واستمرارية باتجاه إشعال حروب تعاد من خلالها لأمريكا ما فقدته من هيبة وخسائر في أكثر من موقع، وهو مادفع نتيجة لذلك قوى كالصين أن تحصد النتائج لمصلحتها على حساب الخسارة الأمريكية، بمعنى آخر إن عالم اليوم في عام 2010 يتميز كما يبدو بأن فيه حالتين حالة صعود لقوى إلى المراتب لإزاحة أمريكا عنها وحالة انحدار على حساب قضايا الشعوب الرازحة تحت السيطرة والاستعمار والاحتلال سواء المباشر أم غير المباشر، وبالتأكيد كل الدلائل تشير إلى أن منطقتنا العربية والإسلامية هي في سلم أولويات أنظار وقراصنة العالم لدوام السيطرة على كنوزها ومقدراتها خدمة لمشروعها في الاحتفاظ بالصدارة العالمية وخدمة لحليفها الاستراتيجي إسرائيل في ضمان تفوقها على الجميع دون استثناء واطلاق يدها في المنطقة الغربية كما يحلو لها، والدليل على ذلك هو ما سجله تراجع الرئيس أوباما بفعل اشتداد حملات الضغط والطغيان اليهودي والصهيوني عليه وبالتالي عودة الصدارة في مواقع صنع القرار الأمريكي إلى عصابات وفريق اليمين الأمريكي المتصهين.‏

إذاً حالة السباق على النفوذ العالمي هي اليوم الحالة المسيطرة على جميع القوى العالمية، ولهذا فمن الطبيعي أن غلاة اليمين المتصهين في واشنطن يتحركون وبسرعة هذه الأيام نحو نقطة توازن لوقف الزحف المتسارع للتنين الصيني وغيره.‏

ولعله إذا صحت مقولة إن تراكم الثروة يمهد لتراكم النفوذ السياسي وتوسيعه باتجاه الآخرين فإن العالم يشهد منذ بضع سنوات تغييرات جوهرية في هذه القاعدة وفي توزيع النفوذ من جديد مع ميل واضح لانتقال مراكز هذا النفوذ من الغرب باتجاه الشرق الآسيوي إذ أصبحت الصين الدولة القابضة على معظم الدين الخارجي لأمريكا وهي الدولة صاحبة الاحتياطي النقدي الأعظم هذه الأيام، وهي أيضاً الدولة الثالثة في ترتيب القوى الاقتصادية العالمية والدولة كذلك التي تمتلك ثلاثة من أكبر مصارف العالم.‏

ومن هذه المعادلة لا يمكننا إلا القول: إن حروب أوباما الجديدة قد بدأت للاحتفاظ بمراكز الصدارة العالمية وها هي الباكستان واليمن وربما غداً إيران، فالسودان تؤكد ما هو ذاهب إليه أصحاب المشروع الامبراطوري في الإدارة الأمريكية . هذا الفريق هو بالتأكيد من جعلنا والعالم يحكم على تراجع أوباما عن وعوده المأمولة مع بداية تسلمه سلطاته الرئاسية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية