تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تهويد الخليل نقلة صهيونية مريرة في صراع الإرادات

شؤون سياسية
الثلاثاء 2-3-2010م
علي الصيوان

في الذكرى السنوية الـ16 للمجزرة الصهيونية في الحرم الإبراهيمي الشريف، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بتهويد هذا الحرم، إضافة إلى مقام بلال بن رباح.

الإجراء صادم للمشاعر الدينية والقومية في آن معاً. لكنه حسب تضاريس المشهد السياسي الراهن في المنطقة، مؤشر إلى الخط البياني الذي يأخذه صراع الإرادات على أرض فلسطين.‏

منحنى هذا الخط، بقرينة الحفريات المتصلة حول المسجد الأقصى المبارك، صاعد من قبل العدو الصهيوني، بما يحكم بأنه هابط من قبل الفلسطينيين ومعهم «لجنة إنقاذ القدس» وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي.‏

إنه إحجام فلسطيني- عربي - إسلامي عما يجب عمله، مقابل إقدام صهيوني آخر.‏

وللوقوف على مدى خطورة الإقدام والإحجام كليهما، نشير إلى محددات الإجراء الاسرائيلي.‏

في الأصل ينتهك الإجراء الإسرائيلي اتفاقية جنيف للعام 1949 الناظمة لسلطة الاحتلال في أرض محتلة.‏

ولأن الإجراء الإسرائيلي، بما هو تشميل الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال ضمن التراث اليهودي، فهو افتئات على تصنيف اليونسكو.‏

حيال الانتهاك والافتئات، لم يجد القيمون على اتفاق أوسلو سوى «التنبؤ» بتأسيس الإجراء الإسرائيلي لـ«صراع ديني». وهذا مدخل إلى تشويه طبيعة الصراع تشويهاً يثقل المقاومة المشروعة للاحتلال، حسب نصوص صريحة للقانون الدولي وروحه، بمفاهيم موضع أخذ ورد في الرأي العام العالمي.‏

زد على ذلك أن القيمين على اتفاق أوسلو غضوا الطرف تماماً عن كون الإجراء الإسرائيلي تمزيقاً لاتفاق موقع بين سلطة الاحتلال الإسرائيلي بالذات وبين سلطة رام الله، عنوانه اتفاق الخليل في 1997، في عهد حكومة نتنياهو نفسه، وهو أحد «الاتفاقات الموقعة» التي لا تساوي، حسب التدابير الإسرائيلية، قيمة الحبر الذي كتبت به. في حين تملأ سلطة أوسلو الأسماع بصخب دعوة فصائل المقاومة الفلسطينية إلى احترام «الاتفاقات الموقعة»!!! وفيها بطبيعة الحال، اتفاق الخليل!.‏

أي إن المراقب مرغم على ملاحظة مفارقتين في خطاب السلام لكل من «إسرائيل» وسلطة رام الله:‏

1- المفارقة في خطاب «إسرائيل» أنها تنتهك الاتفاقات الموقعة مع سلطة رام الله، مثل اتفاق الخليل، وفي الآن نفسه تطالب هذه السلطة باستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، كشرط الالتزام بالاتفاقات الموقعة بين الطرفين، وهذه بوابة متاهة عبثية للتفاوض على الاتفاقات نفسها من جديد بغية توقيع اتفاقات معدلة عن سابقاتها.‏

2- أما المفارقة في الخطاب السلمي لسلطة رام الله، فتكمن في استيعاب المفارقة الإسرائيلية ضمن إطار فضفاض تلخصه مقولة: «لا بديل للمفاوضات إلا المفاوضات»! مع كل ما تعنيه هذه المقولة من إحجام اختياري أمام هجمات الإقدام الإسرائيلي من تهويد للقدس والمقدسات ومن هدم للمنازل الفلسطينية أو اغتصابها كما في حي الشيخ جراح، ومن إرهاب متصل، كالخطف والقتل.‏

وهنا مدخلنا إلى القراءة في صراع الإرادات الذي تجسده المفارقتان أعلاه.‏

يدير صناع القرار الصهيوني صراع الإرادات مع العرب بتطوير خلاق في استخدام «شعرة معاوية» إذا أقدموا كما في 1973، ينصب اهتمام «إسرائيل» على محاولة استئصال مقومات هذا الإقدام، أقله: تجويفها وتشتيتها، كي يتسنى لها في البيئة السياسية المستجدة أن تقدم هي، فيتوضع بيدها زمام المبادرة، وتكون لها الكلمة العليا.‏

اتضحت التتابعية في هذه الآلية بعد عزل مصر بكامب ديفيد عن سورية، وما تلاها من تشتيت للعرب صاغ البيئة المناسبة لاجتياح لبنان 1982.‏

وقد جرى استنساخ هذه التتابعية في مقاربة الانتفاضة 1987، بتزيين «خيار» فلسطيني لا يقل فساداً عن «خيار» كامب ديفيد، هو المتكون في فلسفة اتفاق أوسلو ومناخها والبيئة السياسية الناشئة الحاضنة للتراجع عن إرادة المقاومة، والمواكبة للتغول الإسرائيلي المتصل، بدءاً من إقدام البروفسور باروخ غولد شتاين فجر 25/2/1994 على اقتراف مجزرة في الحرم الإبراهيمي، راح ضحيتها 29 شهيداً وعشرات المصابين، وصولاً إلى العدوان الوحشي على غزة الموثقة وحشيته بتقرير غولدستون.‏

ومن أجل أن يتوضع زمام المبادرة في يد إسرائيل، تستمرئ الإدارات الأمريكية المتعاقبة تكرار ما استنه هنري كيسنجر في صياغة فلسفة كامب ديفيد ومناخها وما يليه من دق أسافين في لوحة قوة العرب لتمزيقها.‏

حديث الوزيرة كلينتون المشفوع بتصريحات إسرائيلية مماثلة، حول الغاية المرجوة من جهود مبذولة لبلوغ سلام إسرائيلي/ سوري، وهي غاية عزل سورية عن إيران، إنما هو محاولة مضافة لاستنساخ فساد كامب ديفيد وأوسلو على الجبهة السورية.‏

بطبيعة الحال لهذه المحاولة سابقات أحبطتها دمشق كلها، اعتصاماً منها باستراتيجية الإصرار على عودة الحقوق العربية، ومنها الفلسطينية كاملة غير منقوصة.‏

وفي مجرى صراع الإرادات تتكئ إسرائيل على كل إحجام عربي وبيئته لانطلاقة أخرى في وحشيتها. استراتيجية دمشق موطن الداهية صاحب الشعرة، تحبط دائماً محاولات واشنطن من كيسينجر إلى كلينتون، للإمساك بزمام المبادرة في صراع الإرادات.‏

ويبقى على الأشقاء العرب معاضدة الاستراتيجية السورية، بمراجعة الفساد في «خياري» كامب ديفيد وأوسلو، اللذين بنت عليهما إسرائيل المزيد من التغول، وليس السلام.‏

إذ إن انتهاك حرمة المقدسات الدينية في مسجد بلال والمقام الإبراهيمي بعد القدس نفسها، يقارب فقط بمراجعة اتفاق أوسلو وخاصة البند الذي ينص على أن الأرض الفلسطينية متنازع عليها وليست محتلة!.‏

فـ «إسرائيل» في صراع الارادات تتخلق بـ «أخلاقية» الكلب: إذا هرولت أمامه، استبدت به الشجاعة.‏

Siwan.ali@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية