تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اتساع الهوة في العلاقات بين أميركا وأوروبا

تريبيون ميديا سرفس:
دراسات - ترجمة
الأحد 11/9/2005
ترجمة :حكمت فاكه

يتحدث الكاتب والمحلل السياسي الأميركي -وليام فاف- عن اتساع الشرخ في العلاقة بين أميركا وأوروبا في مقال نشرته صحيفة -تريبيون ميديا سرفس- تحت عنوان (المريخ في مواجهة الزهرة)

ويقول في ذلك المقال :إن جميع الحكومات الأوروبية تعتبر أن مكافحة الإرهاب من اختصاص الشرطة والاستخبارات وتؤمن أن القيام بغزو الدول ليس هو الوسيلة المناسبة ولا الذكية لمحاربة الإرهاب . وفيما يلي أهم ما جاء في ذلك المقال:‏

لا يزال الأوروبيون الذين يعانون من آثار الرفض الفرنسي والهولندي, يتلقون حالياً نصائح ذات نوايا حسنة للغاية من الخبراء والمسؤولين الأميركيين عما يجب عليهم القيام به.كما يستمعون لبعض الأقوال التي تتحدث عن الوفاة القريبة للاتحاد الأوروبي.‏

نأخذ على ذلك مثلاً ماكتبه- روبرت جيه صامويلسن- في صحيفة الواشنطن بوست الأميركية حيث قال:( لقد ولى زمان أوروبا وهي الآن تخرج شيئاً فشيئاً من دائرة الفعل...لم تعد أوروبا حليفاً قوياً للولايات المتحدة الأميركية,ليس فقط لأنها لا تتفق مع بعض أوجه السياسة الأميركية,ولكن لأنها لا ترغب في تقديم التعهدات المطلوبة التي يجب أن يقدمها الحليف القوي).‏

وفي هذا الاطار, كتب استاذ التاريخ السابق بجامعة -ييل- نايل فرجسون في مجلة نيوريبوبلك:( لن تكون هناك بعد الآن ولايات متحدة أوروبية.ولكن من قال أصلاً إنه ستكون هناك ولايات متحدة أوروبية في الأساس?!‏

لقد كان هناك سوء فهم مروع من قبل الأميركيين ومن قبل بعض الأوروبيين.‏

وكما تخيل الدستور فلن يكون هناك اطلاقاً اتحاد أوروبي موسع. وهذا شيء يصب في الواقع في مصلحة تماسك ووحدة أراضي الاتحاد الأوروبي كما هو قائم في الوقت الراهن .وسيستمر الاتحاد الأوروبي باعتباره اتحاداً غير مسبوق بين بلدان كاملة السيادة,تحاول أن تجد طريقها باتجاه مصير غير واضح المعالم,وسيظل هذا الاتحاد قائماً إلى جوار الولايات المتحدة التي يعتبر مصيرها في عهد ما بعد بوش غامضاً وغير معروف اطلاقاً.‏

وبعد الهزيمة التي مني بها في التصويت على الدستور في فرنسا وهولندا ,يحاول الاتحاد الأوروبي أن يعيد تصور مستقبله .وفي هذا الاطار , يوجه الأميركيون على السياق السياسي العام في واشنطن وكذلك عبر الجامعات والمعاهد إلى أوروبا بإعادة ثلاثة انتقادات.‏

يقول الانتقاد الأول,إن أهم دولها تتعلق بما ينظر إليه الأميركيون على أنه نموذج اجتماعي واقتصادي غير فعال وقديم الطراز.‏

أما الانتقاد الثاني فيقول: إن الأوروبيين لا ينفقون سوى القليل على قواتهم المسلحة ,ويتخذون موقفاً مهادناً يفتقر إلى الواقعية تجاه العلاقات الدولية, ويفضلون الكلام الكثير على الفعل,ويحاولون ,استرضاء المشاغبين,ولا يساعدون أميركا بشكل كاف,كما يقال للأوروبيين عادة أنهم سكان أنانيون لكوكب الزهرة, أو كما يقول النقاد الأميركيون-المنتمون لكوكب المريخ وهو إله الحرب- الأكثر خشونة أنهم يفتقرون إلى الشجاعة.‏

أما الانتقاد الثالث فيقول: إن بعض الأوروبيين يعتقدون أن أوروبا يجب أن تتنافس مع الولايات المتحدة, أو تحاول أن تكون معادلاً في الوزن ,وتقول واشنطن إن على هؤلاء الأوروبيين أ ن ينتبهوا, أو كما قال نيكولاس بيرن,وكيل وزارة الخارجية الأميركية أمام اجتماع عقد أخيراً للناتو في السويد:( سوف يكون هناك احتكاك وأنتم أيها الأوروبيون , الذين تريدون أن تتنافسوا معنا,لن تكونوا سعداء بهذا الاحتكاك).‏

لا يوجد الكثير مما يمكن قوله عن الانتقاد الأول.فالجميع يعرفون بالبطالة السائدة في فرنسا وألمانيا وبعدم مرونة سوق العمل بهما وكذلك العقبات.‏

والبيروقراطية التي تحول بينهما وبين انشاء المشروعات الجديدة, وتجعلهما عاجزين عن تحقيق الاصلاحات التي يقبل بها شعباهما,على نفس المنوال,نجد أن موضوع القطبية المتعددة والقطبية الاحادية وتوازن القوى في مقابل سيادة القوة الأميركية ,قد قتل بحثاً سواء في هذا العمود أو في أماكن أخرى, لكن لم نقبل الكثير عن الموضوع العسكري,فأوروبا تصرف أقل بكثير من الولايات المتحدة,والكثير مما تنفعه يذهب إلى الأسلحة والمعدات العسكرية المقلدة,أو التي يوجد لها نظير في أميركا.‏

لكن السؤال الهام في هذا الاطار هو:لماذا تحتاج أوروبا إلى قوات مسلحة موسعة? ما التهديد الذي يواججها ?هل هو الارهاب? .‏

إن كل حكومة من الحكومات الأوروبية تعتبر أن موضوع الارهاب هو من اختصاص الشرطة والاستخبارات وليس الجيوش,وتؤمن أن القيام بغزو أي بلد شرق أوسطي أو دولة اسيوية أو أي دولة في العالم,ليس هو الوسيلة الملائمة ولا الذكية لمحاربة الارهاب.‏

وكلما ازداد حجم الخراب وعدم الاستقرار والفوضى في العراق,كلما ازداد الأوروبيون اقتناعاً بصحة وصوابية موقفهم ,فالولايات المتحدة من خلال سياساتها هناك, تساهم بتوليد المزيد من الإرهابيين,وبتكلفة باهظة بالنسبة لها وبالنسبة للعراقيين.‏

ما التهديدات الأخرى التي تواجه أوروبا ? هل هي اعادة انبثاق التوجهات القومية في روسيا أو زيادة مطامعها التوسعية ? هل تمثل الصين أزمة? من الجائز أن أي حكومة ذات تقاليد عسكرية جادة تعرف أنه من الضروري أن يكون لديها كادر عسكري محترف قادر على التوسع السريع,ففي سنة ,1939 كان جيش الولايات المتحدة الذي أصبح معروفا ً فيما بعد ب -القوة الجوية المستقلة- يتألف من 174 ألفي جندي ,أما فرنسا اليوم فنجد أنها تضم لوحدها عدداً من الجنود المحترفين والطيارين يفوق هذا العدد.‏

ومن الضروري أن تكون لديك القدرة العلمية والتكنولوجية لانتاج الأسلحة المتطورة, ولامتلاك صناعة فضاء متقدمة,وأوروبا حالياً تملك الأسلحة المتطورة وصناعة الفضاء .‏

إذاً لماذا يجب على أوروبا أن تحتاج إلى جيوش أكبر? الإجابة الأميركية هي كي تساعد أميركا في المحافظة على النظام العالمي الراهن.لكن بما أن سياسات أميركا تؤدي إلى زعزعة استقرار العلاقات الدولية وإلى توليد المزيد من الإرهاب والصراعات فلماذا يتعين على الأوروبيين مساعدتها?‏

معروف أن أعضاء الاتحاد الأوروبي هم قوم في غاية الأهمية والأدب.وأدبهم يحول بينهم وبين أن يقولوا ذلك لأميركا.ولكن هذا هو ما يؤمن به أغلبهم في قرارة أنفسهم وهذا في الحقيقة يفاقم من الاختلاف الأساسي القائم بين الطرفين وغير القابل للحل على مايبدو .‏

في الوقت نفسه نرى كوكب-المريخ-وكأنه يسير لوحده,كما نرى كوكب -الزهرة-وكأنه غير راغب بمصاحبته على الطريق الملأى بالأشواك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية