تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تخويف الجيران..!

قضايا الثورة
الأحد 11/9/2005
علي قاسم

صرح الرئيس العراقي جلال الطالباني بما تحرج الأميركيون التلميح إليه, حيث الحاجة إلى ذلك الوجود هي لتخويف جيران العراق من التدخل في شؤونه, وكأن المعضلة الحقيقية تكمن في ذلك التدخل.

المفارقة لا تقتصر على المغالطة فيما ذهب إليه الطالباني, بل أيضاً في التبرير الذي أتبعه عن الأسباب التي دفعته إلى ذلك, وهي في أي حال لا تقل في افترائها عن تلك التي تتعاطى معها الإدارة الأميركية حول المأزق في العراق, حيث يأخذ المشهد شكلاً مثيراً في تناغمه إلى الحد الذي يدفع إلى التساؤل عن الخفايا التي تحرك موقف بعض القادة العراقيين.‏

على أن الأخطر من ذلك هو أن يصدق أولئك كما صدق الأميركيون من قبل الكذبة التي أطلقوها عن المقاومة العراقية وهويتها, رغم أن الدراسات الأميركية ذاتها تشير إلى أن هذه المقاومة عراقية محلية وبإمكانات ذاتية بعيدة عن أي تدخل خارجي.‏

والعنصر الأهم أن المحرك الفعلي لوجودها هو الاحتلال, وتلك هي الحقيقة التي يريدون تجاوزها وعدم الاعتراف بها, إذ تتضح من جملة التداعيات المرتبطة بالوضع العراقي ما يشير صراحة إلى أن الواقع السياسي الناتج عن الاحتلال, لا يمكن بأي حال أن يقود إلى الاستقرار, خصوصاً أن رفض وجوده لا يتعلق بموقف سياسي بحت, بل هو في صلب الرؤية التي تحرك تاريخ الشعوب قديمها وحديثها, الضعيف منها والقوي.‏

ولا يختلف الحال في العراق, حيث أثبتت التطورات أن وجود الاحتلال يعمق المأزق, وبداية الحل تكون بإنهائه, والذرائع الأخرى التي تساق ليست أكثر من محاولات مستميتة لدفن الرؤوس في الرمال, والذين يعتقدون أن تمسكهم بالاحتلال لتخويف الجيران, إنما في ذلك يخالفون رغبات الشعب العراقي الذي لا يشتكي من سياسة الجيران, بقدر ما يتذمر من أولئك الذين ينفذون سياسة الاحتلال, ومشكلتهم ليست مع جيرانهم, وإنما مع الاحتلال وممارسته ومع المتعاونين معه.‏

لقد أبرزت التطورات الأخيرة عمق المأزق السياسي والأخلاقي الذي يدفع بالكثيرين لكيل الاتهامات يميناً ويساراً, ولخلق الأكاذيب وفبركة الادعاءات حفاظاً على ماء الوجه الذي أراقته مواقفهم المتواطئة مع الاحتلال, بعدما عجزوا عن تنفيذ السيناريو المرسوم ليكون العراق كما يريده المحتل واجهة ومنطلقاً لمصالحه ومخططاته التي تتعارض مع موقع العراق التاريخي.‏

لذلك لم تكن إضافة فقرة إلى مسودة الدستور العراقي استجابة لواقع العراق العربي والإسلامي, بل هي تلبية لرغبة الجامعة العربية, بمعنى أن ما كان يخطط للعراق هو سلخه عن ذلك الواقع وتجريده من هويته العربية والإسلامية, ليكون النموذج لواقع المنطقة كما تراها الشرق أوسطية, كل بلد غريب عن جاره, كل دولة عدوة لجارتها, صديقة لعدوها والمستهدفين لها في وجودها ومصيرها.‏

إن مشكلة العراق الفعلية كما يراها العالم تبقى في الاحتلال والمحاولات المستميتة لتفتيته وتقسيمه وفق السيناريوهات الموضوعة لتفتيت المنطقة, كما هي في مسعى أولئك لتجريده من هويته ومن عروبته ومحاولات الاستقواء بالاحتلال لتخويف الجيران لن تجدي نفعاً, لأن مصير الاحتلال كما علمنا التاريخ إلى زوال, ومع زواله ثمة الكثير من المشكلات والمعضلات التي ستجد طريقها للحل, هذا إذا لم يحلها زواله بشكل تلقائي!..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية