تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الديار تتساءل ... كيف يرتكز تحقيق دولي على إفادة مجند سوري فارّ ?

الصفحة الاولى
الأحد 11/9/2005
شارل أيوب

لا بد من مناقشة هادئة للتحقيق بعدما أصبح تحقيقاً سياسياً وإعلامياً, وبات المستدعى والشاهد والموقوف يعرف باسمه واستدعائه من خلال التلفزيون, وتعرف عائلته الأمر من وسائل الإعلام وليس من لجنة التحقيق.

عودة هادئة لمناقشة التحقيق ومساره.‏

في كل مرة أكتب عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يمثل أمام عيني منظر الرئيس الحريري قبل استشهاده وأنا أودعه ليلاً عند الواحدة بعد منتصف الليل وهو يدعو للبلد بالخير وللبنان بالسلام, وأنا أتمنى أن تظهر الحقيقة وأن يكون الإعدام عقاب القاتل.‏

ولكن في ذات الوقت, ولأنني أرى منظر الرئيس الحريري قبل استشهاده أمام عيني, ولأنني حريص على الحقيقة, ولأنني عندما اقترب من سريري وأكون وحدي يكون الشاهد الأخير علي قبل النوم ضميري فيسائلني وأسائله والتاريخ سيحكم على كل واحد وعلى صدقه وإحساسه الإنساني وشجاعته, وعلى هذا الأساس أكتب ما أعرف.‏

قبل شهر ونصف, بدأت المعلومات ترد إلى (الديار) بأن ضابطاً سوريةً في المخابرات السورية اسمه محمد زهير الصديق متزوج من هدى الغصيني من منطقة الشوف في جبل لبنان قد فرّ من سورية وذهب الى السعودية ومنها الى مصر ثم فرنسا وحط رحاله في اسبانيا وهو يدّعي انه كان مدير مكتب رئيس شعبة المخابرات العسكرية السابق في سورية, وانه يمتلك معلومات هامة عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.‏

عبر التفتيش والتدقيق عن الموضوع تبين ان الضابط السوري محمد زهير الصدّيق ليس ضابطا بل مجند في الجيش السوري, وارتكب أعمال نصب في لبنان, وكان يدّعي انه ضابط في المخابرات وقام بالنصب على السيد حسن خليل حمادة من الشوف, مع العلم ان السيد حمادة هو أحد اقرباء زوجته هدى الغصيني. في التفتيش والمعلومات تبيّن انه سنة 1996 حكمت عليه محكمة سورية بجرم النصب والفرار من الجيش السوري, وبعد تمضية فترة سجنه انتقل من دمشق الى بلد عربي, وبعد استشهاد الرئيس الحريري زار دولة أوروبية وقدم معلومات عن اغتيال الحريري, وعلى أثرها قام محققون من فريق لجنة التحقيق الدولية, ومنهم المحقق الفنلندي مات كالينغر بمقابلته في اسبانيا وأخذ إفادته حيث ادّعى الآتي:‏

1¯ الضباط الأربعة الموقوفون خططوا لاغتيال الرئيس الحريري في شقة في سنتر معوض في الضاحية الجنوبية.‏

2¯ هذه الشقة استأجرها ضباط سوريون من أجل هذه المهمة.‏

3 ¯ المخابرات السورية طلبت من الضباط الأربعة اللواء السيد واللواء الحاج والعميدين عازار وحمدان الاجتماع مع الضباط السوريين لتنسيق عملهم واغتيال الرئيس الحريري والتخطيط لذلك.‏

ماذا في الأجوبة?‏

1 ¯ تبين ان الضباط الاربعة الموقوفين لم يجتمعوا في شقة في سنتر معوض.‏

2 ¯ ان الضباط السوريين الذين استأجروا الشقة ليسوا ضباطاً في المخابرات السورية في لبنان بل خضعوا لدورة أركان في الجيش اللبناني.‏

3 ¯ لا يقبل المراقبون فكرة تجميع اربعة اجهزة امنية من أمن عام وأمن داخلي ومديرية مخابرات لتنفيذ عملية اغتيال, بل المنطق يقول بأن عملية كهذه يتولاها جهاز واحد وتكون محصورة به, مع العلم ان المعلومات الأمنية تؤكد ان الثقة كانت مفقودة في علاقة رؤساء الأجهزة في ما بينهم.‏

ثم, تم وفق المعلومات, ترقية المجند محمد زهير الصدّيق ليصبح العقيد محمد صافي ويبقى الشخص ذاته اي محمد زهير الصديق, وتأتي الرواية ذاتها, مع العلم ان هذا الشاهد إن وقف أمام محكمة دولية أو لبنانية فستظهر كذبته بشكل مفضوح.‏

أما عن تسييس التحقيق, فيبدو أن الأسئلة باتت موجهة كالآتي : من كان ضد القرار 1559 ومن اتهم الشهيد رفيق الحريري والوزير مروان حمادة بالتحضير مع فرنسا وأميركا لإصدار القرار .1559‏

بات التحقيق سياسياً عندما تتركز الأسئلة حول موقف المجلس الشيعي الاعلى بشأن القرار ,1559 وباتت الخطة واضحة, وهي إرهاب كل مَن كان على علاقة أو صداقة مع سورية.‏

هنا تأتي التفرقة, فالجميع كانوا على علاقة مع سورية ولكن من انقلب مع سعد الحريري وجنبلاط وأصبح في الحكومة فهو موثوق من لجنة التحقيق ولا يُسأل سؤالاً, أما مَن لم ينقلب فخاضع للترهيب ولكل أنواع الأسئلة خاصة المجلس الشيعي الأعلى والقوى الأخرى التي وقفت وتقف ضد القرار .1559‏

كيف يمكن لتحقيق دولي أن يرتكز على افادة مجند سوري فار, وإن كانت (الديار) مخطئة فسيعاقبها القراء ونحن لا نريد من أحد أن يرحمنا وليكن العقاب كبيراً لأننا فعلاً نريد الحقيقة بشأن استشهاد الرئيس الحريري ولكن قضية شقة حي معوض سقطت, وحتى الآن فإن الأدلة ترتكز على إفادة محمد زهير الصدّيق بدلاً من الانطلاق من واقعة الجريمة وتحديد الفاعل من خلال أدلة واضحة.‏

الجواب هو أن المطلوب رأس المقاومة وسحب سلاحها من قبل اسرائيل وأميركا بالدرجة الأولى وأوروبا بالدرجة الثانية, وان المطلوب انشاء محكمة دولية وتوجيه طلبات الى دمشق, تعجيزية, كي يقوم مجلس الأمن لاحقا بفرض عقوبات على سورية لإخضاعها وفق التسوية الاسرائيلية الأميركية. هل يعني ذلك اننا لا نريد الحقيقة? كلا على العكس نريد الحقيقة, ولكن نريد الأدلة واضحة والأدلة ساقطة حتى الآن, وإفادات المجند السوري الفار محمد زهير الصدّيق ليست إلا أكاذيب تشبه مسألة أسلحة الدمار الشامل في العراق التي استعملها الأميركيون لإسقاط نظام صدام وتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات سنية وشيعية وكردية, مع ان أميركا لم تكشف اسلحة دمار شامل ولم يسألها العالم سؤالا, والمخطط الحالي يهدف الى تقسيم لبنان وسورية واستغلال موضوع البحث عن الحقيقة من أجل أهداف سياسية دولية, تقضي بإقامة الشرق الأوسط الكبير على قاعدة دويلات طائفية حيث تكون إسرائيل هي قائدة تلك الدول وتلعب بالدويلات الطائفية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية