تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نافذة.. لم أهدك وردة

آراء
الخميس 18-2-2010م
سليم عبود

لم أهدك وردة حمراء في عيد الفلنتاين

ولم تقدمي لي منديلا طرزت على أحد أطرافه الحرفين الأولين من اسمينا داخل قلب، ولم نتبادل العبارات العذبة الرقيقة الفواحة بالحب كعادتنا.‏

نحن في العالم العربي، لم نعرف هذا الفلنتاين إلا قبل سنوات قليلة مضت، بسرعة النار في الهشيم، اشتعل اللون الأحمر في كل المدن العربية معلنا عيد الحب ، كانت لأعيادنا الأصيلة، الأضحى، الفطر أعيادنا الوطنية طقوس رائعة، تفوح بعبق الحب والمشاعر الصادقة، الجميع من حولي احتفلوا بعيد الحب، وأحسست أنني خارج التيار، وبالرغم من ذلك بقيت متمسكاً برفضي.‏

قلت لها في صباح ذاك اليوم: كل الكلمات المتبادلة في عيد الفلنتاين، أو على أكثرها، فقدت صدقها ونقاءها وعذوبتها كتلك الوردة الحمراء الخالية من العبق، ومن أي قيمة ضحكت، وقالت:« ربما تشكل رمزية ما».‏

«أي رمزية، تبعية المغلوب للغالب؟!.. نحن في العالم العربي، نولد ويولد الحب فينا، يسكننا ونسكنه، نعيشه كالنطق والهواء، الحب عندنا ارتباط بالهوية، الحب عندنا هو الوطن».‏

دعوتها إلى تناول القهوة، ونستمع إلى آخر الأخبار.‏

سألتني: كيف الناس في العالم العربي يحتفلون بعيد الحب وهم يغرقون في أنهار الدم التي صنعتها آلة القتل الأمريكية والصهيونية.‏

كان التلفزيون يعلن: تقول الأرقام :إن السوريين أنفقوا على شراء الورود الحمراء في الرابع عشر من شباط« عيد الحب» فقط،أكثر من خمسة وسبعين مليون ليرة سورية، وهذا الرقم لا يشمل ما أنفق على هدايا تتراوح بين زجاجات العطر والحلي بمختلف أنواعها من الفضة حتى الألماس، ربما وصل رقم صرفيات ذاك اليوم إلى المليار ليرة سورية.‏

أغلب الورود الحمراء التي قدمت في يوم الفلنتاين مستوردة من بلاد العالم فالنتين وبالعملة الصعبة لاننا -للأسف- لم نعد ننتج في بلادنا الورود بالرغم من أن بلدنا موطن الوردة الشامية الأصيلة.‏

كل الشعوب أخذتها من بلادنا، وتركناها نحن، كما حدث في موضوع المعرفة.‏

ألا ترون أن حدائقنا العامة باتت تشبه الصحارى؟! دمشق مدينة الياسمين الأبيض كما يقول نزار قباني : باتت بلا ياسمين وبلا عرائش، !! تغيرنا وتغيرت حياتنا بالعادات الوافدة .. اليوم حدائق منازلنا من غير ورود ولم تعد ثمة أزهار تتفتح على شرفات نوافذنا، وإن زرعنا الورود ، نقتلع الورود المحلية ونزرع مكانها الوردة المستوردة..أليست هذه الثنائية مثيرة للألم؟!‏

أتذكرين يوم أهديتك وردة جوري من إنتاج حديقة بيتنا؟ قلت : حرام أن تقطفها دعنا نتأمل جمالها على الطبيعة.. راح عبقها يطير في المكان، مر اليوم بكامله، وعبق وردة الجوري يحيط بنا.‏

هل تذكرين يوم أهديتك زهرة قرنفل هجين؟ ... رفعتها إلى أنفك تتنشقين عطرها، قلت«لا أشتم فيها رائحة، القيتها على الأرض، شعرت بالخجل.‏

في اليوم نفسه، أحضرت حفنة من بذور القرنفل البلدي وزرعتها في حديقتنا، يوم أزهرت، أصابتك حالة من الفرح الغامر.‏

عيد الفلنتاين يا عزيزتي غريب عنا، على الأقل غريب عني وعنك.‏

لاأعرف اغتصابا للحب أسوأ من أن تحتل قصص الفلنتاين مكان قصص شهرزاد وقصص جميل بثينة، وقصص قيس ليلى، وأشعار امرؤ القيس، وليلى العامرية، وبشار بن برد، وعمرو بن أبي ربيعة، وولادة بنت المتوكل، وحتى مكان قصائد نزار قباني، ونحن، نضحك كفاقد لتوازنه.‏

لماذا يحتلنا كل غريب؟!‏

رفضنا كل شيء طبيعي في حياتنا ، الورود الطبيعية، مناديل الحب المطرزة، قصائد الحب، العبارات التي تشبه الحبيبة بالقمر، سلوكيات العشق ، والغزل، لماذا كلما « نبقت» عادة، أو فكرة في الغرب اختطفناها، وعملنا بها أكثر من أهل الغرب أنفسهم؟! في الأمر كثير من المرارة.‏

يبدو أننا في العالم العربي رحنا نفقد وجودنا.‏

هل تعلمين ياعزيزتي أن علاقات الحب بين المرأة والرجل تعبير حضاري عن وجود الأمة، كلما كان أبناء الأمة حريصين على نقاء علاقات الحب بين المرأة والرجل كلما كانت أمة خصيبة وقادرة على بناء مجتمع سليم وصحيح ومعافى.‏

في الصين واليابان مازالت علاقات الحب بين المرأة والرجل تقوم على الأصول لا تمسها المتغيرات، باعتقادهم عندما تتغير علاقات الحب بين المرأة والرجل، تتغير روابط الناس بالتاريخ والثقافة والوطن.‏

الحب في زمن الأمركة تغيير متعمد في الثقافة التي تشكل روح الأمة، وخندقها الأخير، التغيير الثقافي يستهدف حتى تغيير طبيعة التحية بين الجار وجاره، بين العاشق وحبيبته بين الرجل وزوجته.‏

قد يبدو هذا الكلام غريبا، لكنه الحقيقة، ليس ثمة أمة تغيرت فيها العلاقات بين المرأة والرجل إلا وفقدت خصوصيتها، ونحن في العالم العربي مثال صارخ.‏

بصراحة، نحن في العالم العربي في أسوأ حال، لم يعد يعجبنا من أمرنا شيئاً، نحاكي الغرب كالقردة. نمشي على خطا الغرب في كل شيء حتى كتابة الأدب وفي السلوك والكلام ونظم الأكل والنوم والشرب، والحب وفي التعبير عن قضايانا الخاصة والعامة، الوطنية منها والعادية في بعض مدننا العربية تفقد توازنك وانت تستمع إلى الناس يتحدثون بكلام ربعه بالعربية والباقي بالإنكليزية والفرنسية ، وغير ذلك.‏

بمرور الوقت... نتحول إلى أمة أخرى تتقمص الغرب في كل شيء ما عدا في الأمور الهامة التي تكسبنا القوة والتقدم والتطور وبناء تاريخنا من جديد كما فعلت كل الشعوب الأخرى التي فقدت تراجعنا وفقدنا القدرة على النهوض، للأسف .. الغرب يرسم كل أوجه حياتنا، يلونها بالألوان التي يريدها، ونحن نضحك ضحكة الأبله.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية