|
دائرة المجتمع
وهنا تكمن أهمية الطقوس الاجتماعية وواجب العزاء التي تدعم الشخص المنكوب مادياً ومعنوياً وتحاول التخفيف من آلامه وشعور الفقد. وقعت فاجعة الموت لابنتها إثر حادث سير ،ولم تعلم الجدة كيف تفعل مع الأحفاد الصغار ولكن خوفها من شعورهم بالألم وفقدان الحنان والأمان الذي اعتادوا عليه جعلها تخفي عنهم هذه الحقيقة وتأجيلها حتى ينضجوا ويكون باستطاعتهم استيعاب أن الموت هو نقيض الحياة وأنه النهاية الحتمية لكل كائن حي. عندما كنا صغاراً كانت مراسم العزاء والحداد تدهشنا وفي حالات كثيرة كنا نعاود اللعب و دون أن ندري أن هذه مناسبة اجتماعية حزينة ودون أن نعلم ما تحمله الأيام القادمة من قهر وحزن وألم عندما يكون الفقيد من الأهل.. اليوم وبعد حرب كونية عاش أطفالنا تفاصيلها القاسية من خراب ودمار ودماء لابد من تزويدهم بحقيقة الموت بعيداً عن أي محاولة لإلهاء الطفل وهروبه من مواجهة الحقيقة وفي الوقت الذي يفهم طفل خمس السنوات الذي يسكن في مناطق منكوبة بالحروب بعض جوانب الموت تغيب كثير من المصطلحات والمفاهيم عن أطفال آخرين يسكنون في مناطق يسودها الأمان والاطمئنان. تجنب الكذب مع تناقض آراء الآباء حول أهمية إشراك الطفل في مراسيم الحداد إلا أنه ثبت علمياً وتربويا ضرورة المشاركة لان حضوره في هذه الطقوس تساعده على تفهم الواقع الجديد وإخفاء حقيقة الموت تضره وتسبب له أزمة ،تؤكد دراسات للهيئة السورية لشؤون الأسرة ضرورة أن يقوم شخص يحبه الطفل بإبلاغه والإجابة عن تساؤلاته بصدق وتفهم مع الاستمرار في مراقبة الطفل وملاحظة أي تغيير في سلوكه وإعطاء الاهتمام والشعور بأنه محمي وغير مهمل ومشاركته في طقوس الحداد ويجب توضيح سبب الوفاة وتجنب الكذب. وهنا يجب أن يدرك الأهل أن رفض تقبل حقيقة الموت هي وسيلة دفاع تعطي الطفل فترة من الزمن لاستيعاب الوضع وقد يحتاج الأمر لعدة أشهر خاصة عندما يرتبط الطفل بالمتوفى بعلاقة عاطفية قوية وقد يبدو الطفل وكأنه نسي الأمر ولكن في كل مرة يذكر الموضوع أمامه يسأل ويبكي وكأنه سمع به للتو وهذا ينبع من طريقة تفكير الأطفال والتي تقول بأننا إذا تجاهلنا الأمر ولم نتحدث عنه فإنه لن يحصل.. في المركز الإقليمي لتنمية الطفولة المبكرة يرى معنيون أهمية وضرورة الامتناع عن إعطاء آمال غير واقعية أو أجوبة كاذبة عن الموت وتجنب القول الشائع «إن هذا الشخص قد سافر» والإجابة عن أسئلة الطفل بلغة بسيطة وسؤالها ما إذا كان لديه أمور أخرى يود معرفتها ومساعدته ليبتكر طريقته الخاصة في الوداع ككتابة رسالة أو رسم ذكرى مميزة للفقيد وتشجيعه للتعبير عن مخاوفه وعدم إخافته أو الإيحاء له بالخوف فارتباط الموت بالصراخ والبكاء هو الذي يخلق شعور الخوف لدى الطفل. وسيلة علاجية ويؤكد الخبراء في المركز أن الرسم قوة إبداعية خفية تجعل منه وسيلة علاجية فعالة في خفض وتيرة التوتر وشدة الانفعال ويعكس ما يجول في داخله من معاناة، واستثمار عامل الفنون فرصة ثرية لتعديل سلوك الطفل ،وكذلك السماح له بتربية بعض الطيور وزراعة النباتات والاعتناء بها ،وفي حال الكوابيس أو فزع ليلي يجب إخباره بأن الأحلام السيئة بعد هكذا حادثة أمر طبيعي وتصيب الكبار أيضا وستختفي تدريجياً ويجب تفسير الفرق بين الأحلام والحياة الحقيقية والتمييز بين الحلم والواقع ويستحسن التغاضي عن بعض التصرفات التي يمكن اعتبارها غير مضرة وآنية كعادات النوم وقلة التركيز ،كما على الأهل أن يتفهموا رغبة الأطفال في رجوع الميت ولكن ذلك الأمر ليس في متناول اليد وليس بالإمكان تغيير الوضع ،وإبداء مشاعر الاشتياق إلى من فقدوه والتحدث عن عاداته وتذكر الجوانب الإيجابية والتماثل مع الآمال والتوقعات التي كان يريدها من الآخرين. رغم صعوبة موضوع التعامل مع الأطفال والبالغين مع قضية الموت تلك التجربة المؤلمة والمفزعة رغم حقيقة وجوده إلا أن الصدق والصراحة ومواجهة هذه المعضلة الوجودية تكسبهم خبرات حياتية مستقبلية تمكنهم من تجاوز المحن بقوة وجرأة ،ولا يستسلمون للتجارب المؤلمة ويتعافون منها بكثير من الثقة بالنفس. |
|