|
ساخرة الاسكندرية- بعدد من الشعراء عاشوا فيها ونظموا، بينهم أوروبيون مثل «كفافيس» وشوام مثل ناصيف اليازجي وخليل الخوري وسليم بسترس وفونسيس مراش، ومصريون يعد منهم محمود بيرم التونسي على الرغم من أصله التونسي القريب. ويقول في هذا الشاعر «1893-1961»: إنه كان ينقد ما يشوب المجتمع من أوضاع لا تتفق مع العدالة الاجتماعية، ويتابع بشعره الأحداث السياسية. يلفت النظر حقا، ان أهلنا في مصر، كانت لهم هذه البراعة الفطرية المدهشة في قول النكتة وابتكار النادرة وإبداع الموقف الفكاهي، وإذا كان بعض الباحثين يذهب محقا، الى أن هذه الموهبة عندهم قديمة قدم التاريخ، فمما لا شك فيه أنهم مجبولون بالضحك وحب الضحك، وأنهم أظرف شعوب الأرض، وأكثرهم حبا للنكتة، وتعلقا بالنادرة وتقديرا لأربابها ومن يجيدونها، كما يقول الاستاذ عبد الغني العطري(1). التونسي .. أنموذج للفنان الملتزم يتصور بعضهم أن محمود بيرم التونسي، كان مجرد كاتب أغنيات شدت بها حناجر بعض المطربين المخضرمين، وقد يظن آخرون أنه كان شاعرا زجليا.. والحقيقة خلاف ذلك، فقد كان، أنموذجا للفنان الملتزم، وكان يكتب الشعر الفصيح قبل أن يتجه الى الزجل. ويصفه محمود السعدني بقوله:«كان أنموذجا للفنان الملتزم، واشتراكيا حقا، كأن الاشتراكية «ميكروب» يسري في دمه. وفي سبيل هذا الموقف الرائع دفع حياته. ولم يدفعها مرة واحدة، ولكن ... دفعها بالتقسيط، وقضى عشرين عاما يتسول في باريس، ويتصعلك على رصيف ميناء «داكار» ويتجول كالذئب حتى بلده -الأصلي -تونس، ويرتعش من شدة البرد حتى جبل قاسيون في الشام (2). مبضعه الشعري ونقده القاسي ...فلماذا تشرد محمود بيرم التونسي، وهو المولود عام 1893 والمتوفى عام 1961؟ الأصح القول: إنه شرد ونفي، ذاك أنه جعل القصر الملكي وقوات الاحتلال البريطاني وما بينهما هدفا لمبضعه الشـعري ونقده القاســـــي لا هوادة فيه. وقبل أن يتحول محمود الى شعر الزجل، كانت له قصائد اجتماعية بالغة الأهمية، منها القصيدة المعروفة باسم «المجلس البلدي» وكانت الأغلبية العظمى من أعضائه من الأجانب الذين لا يهتمون إلا بجمع الضرائب الباهظة، والاهتمام بإنفاق حصيلتها على أحيائهم التي يسكنونها(3). من قصيدة «المجلس البلدي» ويقول فيها : إذا الرغيف أتى فالنصف آكله والنصف أجعله للمجلس البلدي أقول حتى لو أني في الطريق أرى قرشين، ذا لي، وذا للمجلس البلدي كأن أمي بل الله تربتها أوصت وقالت: أخوك المجلس البلدي أمشي وأكتم أنفاسي مخافة أن يعدها عامل للمجلس .. البلدي وإن جلست فجيبي لست أتركه خوف اللصوص وخوف المجلس البلدي يا بائع الفجل بالمليم واحدة كم للعيال وكم .. للمجلس البلدي؟ أخشى الزواج إذا يوم الزفاف أتى يبغي العروس صديقي المجلس البلدي وربما وهب الرحمن لي ولداً في بطنها يدعيه المجلس البلدي (4) النكتة .. من صميم المأساة .. وفي قصيدة أخرى، كتبها إبان الحرب العالمية الأولى، يوم ارتفعت الاسعار ارتفاعا جنونيا، تبدو جلية موهبة محمود بيرم التونسي في توليد النكتة والطرافة، من صميم الموقف المأساوي -وللحديث صلة. الهوامش (1)أدبنا الضاحك- عبد الغني العطري-دار البشائر-الطبعة الثانية-دمشق 1992-ص 260 (2) الظرفاء- محمود السعدني-دار أخبار اليوم- من دون تاريخ-القاهرة -ص 149 (3) رواد الشعر السكندري في العصر الحديث-الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة 1972-ص 83 (4) المصدر السابق -ص 84 |
|