|
دراسات سيبقى ذلك من خصوصية الطبيعة الجشعة للخلق الاستغلالي الجشع. وكلما تحدثت دول النظام الليبرالي العولمي عن الأمن والاستقرار الدوليين، وعن طموحها في إنسانية آمنة ومزدهرة الحياة، جاءت بعد ذلك السياسة لتقول كلمتها بغير ما تم الحديث حوله والإعلان عنه، وهذا المنطق هو الذي يوجه السياسة الأميركية حتى في زمن أوباما حين تكون العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدولتين تسير بما يحقق الفائدة المشتركة ويعطي العلاقات الدولية منطقها التفاعلي والمصالحي والتكاملي، وفجأة تأتي صفقة بيع أسلحة متطورة إلى تايوان كما صرح بذلك المتحدث باسم الرئيس التايواني ماينغ نامل على حساب كل علاقات طيبة بين الدولتين، ولو ساهمت هذه الصفقة بتصعيد مشاعر الانفصال في إقليم التيبت عموما لكون أميركا في مشروعها الدولي لا تسعى من أجل احترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وحماية سيادتها من التدخل الخارجي بل هي مصرة على استبقاء سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للأمم الأخرى تحت عناوين مختلفة. ورغم ما أعلنه ما تشاو شوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بأن حكومته تعارض بإصرار أي اتصال بين رئيس الولايات المتحدة، والقائد الديني الأعلى للبوذيين التيبيتيين الدالاي لاما باعتبار أن مقابلة الدالاي لاما تشير بوجه أو بآخر إلى تشجيع روح انفصال إقليم التيبت عن الصين، وهذا الهدف يقع في رأس أهداف الزعيم الروحاني للتيبيتيين الدالاي لاما وكل استقبال له سيمثل كما قال الرئيس الصيني هوجنتاو للرئيس الأميركي أوباما في تشرين الثاني من العام المنصرم تشجيعا على عدم اعتبار وحدة الصين، وتأمل الصين، بأن تتفهم واشنطن طبيعة حساسية مسألة التيبت بالنسبة للصينيين وتتجنب بهذا المزيد من إلحاق الضرر في العلاقة بين البلدين. وكان البيت الأبيض قد أعلن على لسان المتحدث باسمه بيل بورتون بأن الرئيس أوباما أخبر نظيره الصيني هوجنتاو بأنه سيستقبل الدالاي لاما حين يزور واشنطن في 14/2/2010 بكل الأحوال. ورغم ما أشار إليه الناطق باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي من أن العلاقات مع الصين مستقرة ولو ظهرت الخلافات الأخيرة، وأن تطابقاً حاصلاً بينهما في مجالات عديدة، إلا أن التقارير تشير إلى ضغط صيني كبير حتى لا تتم صفقة الأسلحة، وكانت الصين قد علقت المبادلات العسكرية مع الولايات المتحدة وأعلنت عن عقوبات بحق الشركات الأميركية الضالعة في عقود أميركية لتسليح تايوان التي بلغت 6.4 مليارات دولار. ومن المعروف أن زيارات الزعيم الروحي لإقليم التيبت الدالاي لاما تتم إلى واشنطن منذ العام 1991 ويلتقي الرؤساء الأميركيين من جمهوريين، وديمقراطيين رغم استياء بكين، وما يحصل معه من تدهور في العلاقات، وحين يصر الرئيس أوباما على استقباله في وشنطن بكل الأحوال- كما قال لنظيره الصيني- ألا يقع هذا الأمر في إطار سياسات التدخل في الشؤون الداخلية ثم ألا يعلن عن موافقة أميركا- رغم قوة الصين الحالية والقادمة على تشجيع سكان التيبت على الانفصال، الحال الذي لن تسمح به الصين مع أنها لتفاديه كانت قد قبلت من أجل وحدة الأراضي الصينية أن تكون الأمة الصينية بنظامين اقتصاديين واجتماعيين. إذاً إن السياسة الأميركية لم تستفد بعد من خطأ ما تمت ممارسته في زمن بوش الابن، وهاهي تصغي لتهديدات باراك وليبرمان لسورية ولتصعيد مناخ التوتر باتجاه الحرب وميتشل المبعوث الأميركي للسلام لايزال في المنطقة، وبدل أن تظهر إسرائيل إرادتها في أن تكون شريك سلام راحت تقيم المناورات حول احتلال قرية سورية لترفع من معنويات جيشها المنهارة بعد حربين خاسرتين خلال سنوات خمس على حزب الله وعلى غزة. وكم كان من المؤمل أن يستدعى نتنياهو إلى واشنطن ليبلغ خطأ مثل هذا التوتير للأوضاع الإقليمية الذي لم يعد ينطلي على المجتمع الدولي في أن إسرائيل كلما اندفعت العجلة الدولية نحو تحقيق سلام عادل وشامل، تقوم بتوتير الأوضاع بحجج واهية حتى لا تفي بمتطلبات السلام، ومع أن نتنياهو قد حاول- في لعبة تبادل الأدوار- أن يخفف من حرار ة التصعيد والتهديد لسورية حين رأى الرد السوري بمستوى من الحكمة والشجاعة، لكن هذا لم يعفه من هجوم الصحافة الإسرائيلية عليه حيث وصفت حكومته بأنها منفخة الرؤوس ولا تحسن تقدير الأوضاع العالمية المحيطة ولا الإقليمية التي لم تعد كما كانت عليه، فالحرب الشاملة ليس لإسرائيل قدرة على مواجهتها. وفي المحصلة لم يعد العالم الحاضر يغض النظر عن الطبيعة التدخلية لأميركا، ولاعن السلوك العدواني وإرهاب الدولة الصهيونية، وحين يجبر القادة الصهاينة إذا استلزمت لهم زيارة لدولة من دول أوروبا وغيرها على البقاء في الطائرة، وبعد إكمال المباحثات يعودون بها، فهل هم إلا مطاردون وليسوا دبلوماسيين؟ إن هذا الحال هو أعظم انتصار قد حققته المقاومة العربية عليهم حين أدخلتهم في سجل مطاردة المنظمات الدولية صاحبة الشأن وستبقى سورية- ومعها أمتها العربية- أقوى من هذه التهديدات وليقتنع الصهاينة بأن زمن الغطرسة والانفراد بالقوة قد انتهى، فإذا مافرضوا الحرب سيشعلون أنفسهم بنيرانها. |
|