|
آراء
منذ أيام أطلق الجنرال الامريكي ( جون أبي زيد ) تحذيراً بقول فيه : ( اذا لم يتم التصدي للتشدد الإسلامي بحزم فإن الحرب العالمية الثالثة سوف تقع لا محالة ) وهذا التصريح - التحذير .. لا يأتي من فراغ بل هو جزء من سلسلة متناغمة بدأت أصواتها تتناثر هنا و هناك في شكل يبدو أنه مصادفة , و لكن هذه الأصوات يربط بينها خيوط خفية , و أحياناً ظاهرة , سواء أكانت تلك الأصوات صحفية أم سياسية أم أكاديمية أم ذات مرجعيات دينية متفاوتة المستويات. ونحن نعمم أن الرئيس الأمريكي جورج بوش دأب منذ بداية حكمه على اطلاق التصريحات التي تنال من الإسلام و المسلمين , و يصفهم بالفاشية و التخلف و الإرهاب و القمع و معاداة الديمقراطية , و يصف نفسه في الوقت نفسه أنه ممثل السماء و موفد العناية الإلهية.. وتتدحرج التصريحات عبر القارات و تأخذ أشكال مقالات و رسوم كاريكارتيرية , و خطب و محاضرات و أفلام سينمائية و برامج تلفزيونية و بلغ ذلك ذروته على لسان بابا الفاتيكان بتصريحاته المعروفة . هذه الموجة المحمومة من العداء للإسلام و المسلمين , و للعرب منهم بصورة خاصة , هل هي وليدة أحداث ( ايلول في نيويورك ) أم هي وليدة الصراع مع مايسمى بتنظيم القاعدة , أم هي وليدة الفترة التي أعقبت السقوط المدوي للمنظومة السوفييتية . هذا كله يجعلنا نطرح مجموعة من الاسئلة في محاولة للاجابة عليها : - لماذا الخوف من الاسلام ? - هل للموضوع جذور تاريخية ? - هل الموضوع منحصر لدى ثقافات الغرب أم هو ذو بعد عالمي ? - كيف يمكن معالجة هذه الظاهرة ? وللاجابة على هذه التساؤلات لا بد لنا من ملاحظة أن هذه الظاهرة ( الاسلاموفوبيا ) قد غدت مرضاً يتم فرضه على أجهزة الإعلام من خلال إشاعة ثقافة رفض الآخر و التطرف و الكراهية و اثارة الأحقاد . وهنا لا يمكننا التعميم العشوائي في أن المجتمعات الغربية مصابة بفيروس هذا المرض على كافة مستوياتها . فالدراسات الموضوعية موجودة لدى كثير من الباحثين و الأكاديميين . و لكنها تبقى تدور في إطار نخبوي بعيد عما تتداوله أجهزة الإعلام الموجهة أساساً و فق معايير سياسية . ولعلنا نذكر أن بعض مشاهير الفكر و الأدب في الثقافات الأوروبية كانت لها مواقف إيجابية من التراث الاسلامي , بل مواقف إعجاب لدى بعضهم فهناك ( غوته) , وبوشكين , ولامارتين , و هونكه , وغارودي , وجاك بيرك و برنارد شو ). وقد تكون هذه المواقف الايجابية تركت انطباعاً معاكساً لدى الرأي العام الغربي المسيس , فبرناردشو مثلاً يقول منذ عام 1936 بأن الاسلام سوف يكون له شأن كبير خلال عقود قليلة . و هذا الكلام يستخدم المغرضون لمزيد من التخويف و اذكاء الاحقاد و الكراهية . يدور مصطلح ( الاسلاموفوبيا ) حول تكريس صفات سيئة يهتم بها الاسلام ,و يتم زرعها في أذهان الغرب بوسائل مختلفة , وتتركز هذه الصفات في أن الاسلام - كما يزعمون - دين متحجر منغلق عدواني يؤمن بالعنف و يرفض الآخر , ويهددجيرانه و لا يعترف بالثقافات الأخرى لدى الشعوب وبالتالي يناصب العداء. واللافت للنظر ,والداعي للاستغراب أن بقية الأديان في العالم لاينظر إليها بهذه العدوانية وهذه الكراهية ,ونحن نعلم أن هناك ديانات كبرى كالبوذية والتاوية و الكونفوشية والهندوسية وتنتشر أقليات وجاليات كثيرة منها في المجتمع الامريكي المجتمعات الاوروبية من غير أن تلقى ذلك العنت والتمييز العنصري والمضايقات التي تلقاها الأقليات ذات الأصول الاسلامية عامة ,والعربية خاصة. بل إن العبارة الشهيرة التي أطلقها أحد المفكرين الغربيين ويقول فيها: ( الشرق شرق , والغرب غرب ولن يلتقيا) وهو يقصد بالشرق الحضارة الإسلامية وبالغرب الحضارة الاوروبية وامتدادها الامريكي . وهذا فهم خاطئ جغرافياً وتاريخياً وفكرياً . من ناحية ثانية يجب أن نعلم تماماً أن هذه الظاهرة ممتدة عبر القرون وليست وليدة أحداث ربع القرن الأخير . ولعل المفكر ا لعربي الفلسطيني المرحوم( ادوارد سعيد) كان من أفضل الذين شخصوا هذه الظاهرة في كتابه الهام( الاستشراق) .وهو الذي يعري بموضوعية ومنهج علمي أساليب الاستعمار في رسم الصورة المشوهة للعربي والمسلم بشكل نمطي مبرمج في الكتب المدرسية وأفلام السينما وكل وسائل الإعلام . وهنا أود أن أشير إلى الكتاب الآخر الهام الذي أصدرته الباحثة ( مادلين نصر) وهي من أصل لبناني بعنوان: ( صورة العربي في الكتاب المدرسي الفرنسي) وهي صورة بالغة القبح والكراهية , وتعكس النفسية الحاقدة المتجنية لمؤلفي تلك الكتب المدرسية . وسواء أكانت وراء تلك الحملات والكتابات مؤسسات أوديانات أولاهوتية أومعرفية أو انتربولوجية , فإن الأمر لايختلف في نهاية المطاف بل ان هذه المؤسسات كثيراً ماتعمل وفق نسق مدروس توزع فيه الأدوار بدقة ومهارة . في عام 1978م عقد في ولاية كلورادو الامريكية مؤتمر تبشيري تقبع خلفه الفئات المتصهينة من الكنيسة , ووصف هذا المؤتمر بلدان العالم الإسلامي بأنها ( معاقل الشيطان الحصينة). من الغريب أن نسمع هذا المنطق الذي ينتمي إلى عصر محاكم التفتيش في العصور الوسطى, ويبدو أن عقلية المحافظين الجدد التي تدعي الوحي اللاهوتي لاتختلف عن عقلية منظري محاكم التفتيش ذات السمعة السيئة . وإذا عدنا قرابة قرن إلى الماضي واستمعنا إلى آراء مستشرقين من أمثال رينان, وشاخت , وغولوزيير لرأينا الوجه القبيح يطل علينا في مزاعمهم بأن الحضارة العربية ليست إلا نتاج تعقل اسلامي منغلق يعادي الابتكار , ولم يقدم أي أثر علمي ملموس , وأن المسلمين لم يكونوا سوى نقلة للفكر الاغريقي . بل ان رينان الفرنسي يلغي كل الشعوب الأخرى ويقول إن العقل الأوروبي هو الوحيد المنفتح المبدع, وكل ماسواه عاجز بليد غير منتج. وهذه الصورة الحاقدة نراها في كثير من الأدبيات والسينما والفنون ,صورة تقدم الشرق الإسلامي من خلال أعاجيب (ألف ليلة وليلة) ومفهوم الحريم وأسواق النخاسة ,والعنف البدائي المتوحش. وكأن الفكر الغربي أراد أن يسقط ذاته الفظة على الآخر المسلم , فنحن نعلم أن الذي أباد الشعوب الأصلية في امريكا واستراليا هو الإنسان الاوروبي , وأن الذي مارس استبعاد الشعوب ونهبهاهو الغرب عموماً , وأن تجارة الرقيق الابيض تفوق آلاف المرات ما ورد في قصص ( ألف ليلة وليلة ) وأن العنف البدائي الوحشي هو الذي نراه يومياً في شوارع المدن الأمريكية حينما يقتل الانسان انساناً اخر من أجل حفنة دولارات . ومع ذلك يأتي كتاب ( هنتنغتون ) ليضع الاسلام كعدو أول للحضارات البشرية المعاصرة . ويأتي كتاب الباحث الانتربولوجي ( شتراوس ) ليقول ( إن الدين الاسلامي يجب ان يصنف ضمن الديانات البدائية ) . وعلى الرغم من أن العنف المعاصر له أسبابه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القاهرة , وعلى الرغم من أن ظاهرة العنف لاترتبط بالعالم الاسلامي وحده - كما يحاول الاعلام الغربي تصوير ذلك - وكلنا يعلم ماذا حصد العنف في افريقيا بين القبائل , وماذا يحصد بين الهندوس والتاميل والسيخ , وفي ( الباسك ) وإيرلندا الشمالية , وحركات أمريكا اللاتينية , فلماذا تلصق تهمة العنف والقتل بالعالم الاسلامي وحده ?! . وقد حاول بعض منظّري المخابرات الامريكية الايهام بأن الاسلام عدو للحضارات المعاصرة كلها , وحاول هؤلاء المنظرون إثارة النعرات في مناطق شتى في العالم بأساليب مختلفة تمتد عبر القارات : نعرات عنصرية وعرقية ومذهبية وتاريخية , في محاولة محمومة لتفتيت هذا العالم أكثر مما هو مفتت أو تجزئته أكثر مما هو مجزأ . وحينما يأتي تصريح الجنرال الامريكي ( جون أبي زيد ) فإنه يعني الخيار الحربي للحسم بعد ثبوت عدم جدوى الخيارات الاخرى , وهو خيار تقول به المؤسسة الصهيونية - الانجيلية التي تتحكم اليوم بصناعة القرار الامريكي . وقد نجحت في الاختراق اللاهوتي للكنيسة الانجيلية . بحيث غدا قيام دولة الكيان الصهيوني وحمايتها واجباً دينياً لدى أتباع هذه الكنيسة المتصهينة . ولعل كتابات ( لندسي ) في هذا المجال خير دليل على توجه الفكر السياسي المشحون بالكراهية . ومن أبرز كتاباته كتابه ( الكراهية الابدية ) وفيه يقول ( لندسي ) : ( إن الخطر الاعظم الذي يتهدد الحرية والسلام العالمي اليوم هو الاصولية الاسلامية . وإن الكراهية تجاه هذه الاصولية يتجاوز عمرها أربعة آلاف سنة , وإن على العرب أن يتخلوا عن كل طموحاتهم السياسية والاقتصادية ويسلّموا بوجود اسرائيل حتى يتحقق السلام ) . إن هذا الكلام يفسر لنا الحقد التاريخي الذي خرب العراق , ولم يكتف بالاهداف العسكرية , بل قصف التاريخ الممتد أكثر من أربعة آلاف سنة وقتل أكثر من مليون عراقي . وهو حقد ممتد في عبثه الهمجي في فلسطين ولبنان وأفغانستان والسودان والقرن الافريقي .. حتى أندونيسيا تحت مسمى ( الشرق الاوسط الكبير ) . انها الصورة النمطية في قالب مسبق الصنع . وهي صورة بدأت تنتقل إلى الاقليات العربية والمسلمة في المجتمعات الغربية , حيث بدأت هذه الاقليات تعاني من التضييق والتمييز والاضطهاد , في مجتمعات تضم أشتاتاً من كل أنحاء العالم . ويمكن تتبع هذه الظاهرة في كتابات كثير من الباحثين من أصل عربي رصدوا بمنهجية عالية أشكال التجني في الكتب والإعلام والسينما وبخاصة في الولايات المتحدة , ومن أبرز هؤلاء الباحثين : جاك شاهين , ادموند غريب , وقبلهما بجدارة ادوارد سعيد ولعل أهم كتاب في هذا المجال هو ( كيف شوهت هوليود شعباً ) من تأليف جاك شاهين . إن الحديث عن مواجهة هذه النمطية الظالمة , وهذه الكراهية الحاقدة , يقودنا إلى محاور متشعبة يمكن رسم ملامحها بالنقاط التالية : 1- دور الجاليات العربية والمسلمة في توحيد مواقفها وتكوين قوة ضغط في مجتمعات مؤلفة أساساً من نسيج ديمغرافي متعدد . 2- دور الاعلام العربي في الخروج من سباته العميق , ووضع استراتيجية لمخاطبة الاخر , وتقديم الصورة الحقة للحضارة الاسلامية التي كانت دائماً ولاتزال تؤمن بالتسامح وبالاديان الاخرى وتعترف بالآخر ولاتمارس القمع والقتل والابادة . 3- محاولة التنسيق بين وسائل الإعلام في الدول العربية والاسلامية والاتفاق على حد أدنى من المعقولية في مخاطبة الذات ومخاطبة الاخر 4- تنظيم المؤتمرات والندوات العالمية في المدن الاوروبية والامريكية لتوضيح صورة الاسلام لدى النخبة , ثم لدى العامة , وبكل الوسائل الممكنة . 5- توظيف المال العربي الهائل في مجال الإعلام : شراءً واستئجاراً واعلاناً وتنظيماً , لان المستهدف في النهاية , هو كل التراث العربي بكافة أشكاله . 6- محاولة ملامسة القضايا الساخنة كالإرهاب , ونظم التعليم , وقضايا المرأة , والاندماج الاجتماعي لتكون محاور في تلك الندوات . وأخيراً لقد عقدنا خلال الاسبوع الماضي ولمدة ثلاثة أيام ندوة في إطار احتفالات حلب عاصمة الثقافة الإسلامية حول مفهوم ( الاسلاموفوبيا) ولعلها كانت نقطة في خطوات البداية المعقولة . |
|