|
شؤون سياسية و الأكثر إثارة للسخرية في هذا الشأن ذلك التبرير العجيب و الغريب الذي قدمه الوفد السعودي لهذا الاعتذار «ازدواجية مجلس الأمن و عجزه عن إنهاء الحروب و الأزمات الدولية، و خاصة في سورية » !! غضب السعودية من « ازدواجية مجلس الأمن و عجزه » في هذه الأيام أشبه بنكتة باردة سمجة، لا يضاهيها برودة و سماجة سوى غضب و انزعاج إسرائيل من استخدام حق الفيتو داخل هذا المجلس. فعلى مدى أكثر من ستين عاماً مارست الولايات المتحدة كل سياسات الكيل بمكيالين تجاه كل ما يمس قضايا المنطقة، و خاصة القضية الفلسطينية مستخدمة الفيتو عشرات المرات، إما لحماية إسرائيل من العقاب الدولي، و إما لإجهاض أي قرار يدعم و يساند حقوق الشعب الفلسطيني، و لم يسمع أحد في العالم أن السعودية غضبت أو كان لها رأي آخر حيال مجلس الأمن أو الولايات المتحدة، أكثر من ستين عاماً و مجلس الأمن يجامل إسرائيل ويحميها و يخيب آمال وطموحات العرب بسبب الفيتو الأميركي و السعودية صامتة لا يسمع لها صوت، فما الذي حرك « كرامة » السعودية و« نخوتها » هكذا فجأة، و دون سابق إنذار ؟! المتابع لتطورات الأحداث في سورية يدرك أن السعودية في المقام الأول و معها قوى و أطراف أخرى إقليمية و دولية أخذت على عاتقها مهمة تدمير سورية و ضرب وحدتها و تصدير الإرهاب إليها بذريعة « دعم » الشعب السوري، حيث لم تترك فرصة للتحريض و التآمر على سورية أو لتدويل أزمتها و استدعاء التدخل الخارجي إلا و انتهزتها، ما جعلها شريكاً مباشراً و أساسياً في العدوان الدولي على الشعب السوري، و ليس هناك أكثر من المعطيات و الأدلة التي تؤكد هذا التورط السعودي في العدوان على سورية، و لا أدل على ذلك من التنظيمات المسلحة و الميلشيات التكفيرية التي تعمل تحت إمرة الإرهابي بندر بن سلطان و بإشراف استخباراته، و هي تنظيمات تتشارك نفس الفكر الوهابي التكفيري الذي ينتهجه حكام آل سعود في حكمهم منذ اغتصابهم للحكم و السلطة على أرض نجد و الحجاز. فالغضب السعودي كما هو واضح لا علاقة له بازدواجية مجلس الأمن، بل الحق يقال إنه ناجم بالأساس عن عدم ازدواجية مجلس الأمن، و خاصة فيما يتعلق بالقرار الأممي الأخير ذي الرقم 2118 الذي مهد الطريق لحل سياسي في سورية و دعا جميع الأطراف إلى مائدة جنيف 2 مخيباً بذلك آمال المراهنين على التدخل الخارجي و الحل العسكري للأزمة في سورية، و على رأسهم السعودية و تركيا و فرنسا، و لا عجب و الحال كذلك، أن لاقى الموقف السعودي الأخير ترحيب و تفهم تركيا و فرنسا. فلماذا اعتذرت السعودية عن عضوية مجلس الأمن، و هي التي قادت حملة كبيرة من أجل انتخابها لهذا المنصب، و لماذا جسدت هذا الدور الهزلي على مسرح مجلس الأمن إذا كانت غير مقتنعة بهذا المجلس، كل الدلائل و المعطيات على الأداء السياسي والإعلامي والميداني للحكومة السعودية تؤكد أنها ماضية في دعمها للحرب الإرهابية على الأرض السورية، و وجودها في مجلس الأمن بصفة عضو غير دائم خلال انعقاد مؤتمر جنيف 2 سيرتب عليها التزامات ليس أقلها الضغط على الأطراف التابعة لها، و خاصة ما يسمى ائتلاف المعارضة السورية في اسطنبول لتسمية ممثلين له للمشاركة في المؤتمر المذكور، و كذلك الضغط على الميليشيات المسلحة المرتبطة بها من أجل وقف إطلاق النار في حال وضع هذا الشرط أساساً لانطلاق المؤتمر و هو شرط لازم وضروري لأي حل سياسي، وكذلك تجميد الدعم المالي و توريد السلاح و وقف حملات التضليل و التحريض الإعلامي التي تنتهجها وسائل إعلام ممولة و تابعة بشكل مباشر للسعودية. كما يقرأ في اعتذار السعودية الغريب أنه جاء احتجاجاً على التقارب الروسي الأميركي الذي أنتج الاتفاق الخاص بالأسلحة الكيماوية السورية و الذي فوت فرصة العدوان على سورية من قبل الولايات المتحدة، بعد أن حرضت عليه السعودية مراراً و تكراراً و هيأت الأجواء لشنه بحملات إعلامية هستيرية ومنظمة، ويقرأ أيضاً إنه احتجاج على التقارب الأميركي الايراني الذي مهد الطريق أمام مفاوضات جديدة في الملف النووي الايراني و رسم انطباعات إيجابية حول إمكانية الوصول إلى نهاية سلمية لهذا الملف، وهي التي حرضت إسرائيل والولايات المتحدة من أجل العدوان على إيران..!! من الواضح أن حكومة آل سعود بالغت كثيراً في رهاناتها الخاطئة تجاه سورية، وألزمت نفسها بمواعيد و سيناريوهات أفشلها الصمود السوري و قوة المحور الذي تنتمي إليه سورية، وهذا ما وضعها في موقف محرج للغاية لا يملك المسؤولون السعوديون حكمة الخروج منه أو الاعتذار عنه، الأمر الذي جعلهم محط سخرية و تهكم حتى من مساعد الأمين العام للأمم المتحدة الأميركي جيفري فيلتمان الذي قال لزواره في الأمم المتحدة :« لم أر أوقح و أسوأ من الحكومة السعودية» مضيفاً: « لا أعرف كيف ستواصل هذه الإدارة الحكم ». و من المؤكد أن وجهة نظر فيلتمان بالحكومة السعودية تلامس الحقيقة إلى حد كبير، فالسعودية هي حليف للولايات المتحدة وهي تعرف حلفاءها تمام المعرفة. |
|