تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الســـينما والأدب..حيـــن يكــــــــون تظاهـــرة

ثقافة
السبت 17-3-2012
آنا عزيز الخضر

عرف عن فن السينما انه يتبادل المواقع مابينه وبين الفنون الإبداعية الأخرى، بدءا من الرواية إلى القصة واللوحة التشكيلية والقصيدة، والقاسم المشترك المحور هوالحياة، فالعلاقة وثيقة بين السينما والأدب بشكل خاص، وقد شكل الأخير أرضية خصبة للسينما،

ومنذ البدايات الأولى لها، فتاريخها يكتظ بأعمال أخذت عن الأدب رواية ومسرحا، وان فتحت الأبواب لهما، فذلك لم يأت من فراغ، وإنما يعود لما امتلكته تلك الآداب من غنى درامي وإنساني، مقتبس من الحياة، لكن بعد تنسيقه وتشذيبه وتوجيهه وفق آليات إبداعية خاصة، لأنه ما من نص أدبي حُول، إلا وحمل العوامل والمعطيات الجذابة لذلك الفن في اتجاهات عدة، تقنية منها كما درامية وقيمية، وكانت الرواية بعناصرها كافة، الأقرب إلى عالم السينما، حيث أنها تتعمق في دواخل الشخصيات، كما تبحث في تفاصيل تخصها، فتهتم بأحلامها وآمالها، الدوافع والهواجس وطموحاتها، كما تكتظ باللحظات الإنسانية المفعمة بالمشاعر والحالات، التي تستقطب الأحاسيس، وتصور الآلام، وتضع يدها على مطالب إنسانية كثيرة، تخلق أجواء قريبة من الإنسان، وكل ذلك من شأنه ان يجعلها خالدة بسطورها ومراميها، وهذه المعطيات تخلق مشهديه عامة غنية أهلتها، لان يعاد صياغتها، عبر أعمال سينمائية، وقد اغتنت بعوالمها وتفاصيلها ومقاطعها التصويرية، تلك التي يسعى إليها الفن السابع فيتم ترجمتها بآليات ومفردات تعبيرية جديدة ومختلفة تعتمد بالدرجة الأولى على الكاميرا بديلا، عن الكلمات، ويكون الاختزال والتكثيف، والاستعاضة بالصورة ومكوناتها وتفاصيلها ثم تشكيلاتها المختلفة، هي البدائل الأكثر حضورا، في البناء الدرامي الجديد، من هنا كان الفضل الكبير لمؤسسة السينما التي أطلعتنا على كل هذه التفاصيل فأدركناها عن قرب، من خلال تظاهرة /الأدب والسينما /تلك التي اختارت أميز الأفلام العالمية بتواقيع أهم المخرجين، وقد أخذت عن روايات أدبية عالمية مثلا فلم/ أوليفر تويست /تأليف/ تشارلز ديكنز/ حيث يعاد على الدوام إبداع تلك الرواية بأشكال فنية مختلفة، لغناها بالمشاعر الإنسانية ومقدرتها للفت النظر إلى الطفولة المعذبة، المفترض بها أن تتمتع بكامل الرفاهية والرعاية والحب فهي تجسد رسالة رثاء لتلك الطفولة الحزينة، أينما كانت مشيرة إلى أنها عالم يستحق كل الحب، وقد حضرت الرواية من خلال فيلم اوليفر تويست من إخراج/ رومان بولانسكي/ أيضا فيلم أخر يعتبر من درر السينما العالمية مأخوذ عن رواية /الشيخ والبحر/ حمل الفيلم نفس الاسم، ويعتبر تحفة سينمائية بحق لخصوصية الرواية والعمل السينمائي معا، الذي اعتمد بكل مراحله وأحداثه وتطوراته، على شخصية واحدة حملت المشاهد واللقطات والأداء التمثيلي والمقولة، حيث نهضت بكامل الفيلم محتفظة بجاذبيتها، خصوصا أن الفيلم كان أمينا للرواية الأصلية، مثلما كانت بشخصياتها وقيمها، ومضمونها، وهي ضرورة امتلاك الإنسان الإرادة القوية مهما كثرت الضغوط عليه، فهل هناك جبار أقوى من البحر، فذلك الشيخ الضعيف بجسده والقوي بإرادته، غلبه بصبره وشجاعته، وحصل على صيده الثمين في النهاية، رغم المحاولات الكثيرة اليائسة، وحقق ما يريد بالعزيمة، بعد ا ن أصر على الوصول إلى هدفه فهناك تفاصيل ومواقف كثيرة ومشاهد كانت قاسما مشتركا بين الرواية والفيلم، حيث خلد الاثنان معا قوة الإرادة والصبر والإصرار على الوصول إلى الهدف، لان صيده هاجمه وحوش البحر وأكله، لكنه ربح رهانه، رغم جبروت الطبيعة، وبالرغم من كل شيء.‏

فهذه الأعمال الأدبية تم الاستناد عليها كونها دخلت ساحة الخلود، بمعطياتها القيمية والإنسانية والإبداعية، فاجتذبت أشكالاً فنية عديدة للعمل عليها ودوما يتقبلها المتلقي، ومثلما حضرت أعمال سينمائية اعتمدت على أسماء هامة في الرواية العالمية، أيضا أتحفتنا مؤسسة السينما بأعمال اعتمدت على النصوص المسرحية، فكان منها /الموت والعذراء /عن نص للكاتب /أريل دور فمان/ وإخراج /رومان بولانسكي / وقد رأيناها مرارا وتكرار على مسارحنا السورية، فالنص غني بما احتواه من صراعات كثيرة، امتلكت إمكانية الكشف والطرح، لقضايا العدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية، فهناك محاور لثلاث شخصيات، تتهم فيها المرأة رجلا، يساعد زوجها على انه هوذاته عرضها للتعذيب في السجن، ينكر الرجل ذلك وتصر المرأة، فيحتار الزوج، وأثناء مجريات هذا العمل، تظهر الاتهامات والشكوك والحيرة، ويتخللها قضايا حيوية وهامة تهم المجتمع.. أيضا تم العرض لفيلم الآنسة جولي عن نص مسرحي للكاتب/ اوغست ستر بند يرغ/ حيث يتعمق النص الأساسي، في قضايا شخصية واجتماعية، وإن ارتبطت بالحب الميئوس منه، إلا انه تمكن الاقتراب من زوايا إنسانية ونفسية عميقة جدا، فاستطاع تحليل صراعاتها والمفاهيم المؤثرة في تطوراتها وتصاعدها، كما في نتيجها، حيث تقع جولي في حب خادمها دون أن تعترف له لكنه يكتشف مواضع ضعفها، فيستغل ذلك بداية، ثم يتراجع فيقرر إنقاذها من الحالة بالهرب، ويتم التراجع تلافيا للفضائح، فتفضل /جولي /الموت على ألا تحرج والدها الذي يرفض تلك الحالة، فهناك صراعات وحب ونزعات أنانية تتصارع وتتصاعد، ومفاهيم ترخي بثقلها على الجميع، وفي النهاية يغلب الجانب الإنساني، ليقدم الفيلم كما النص المسرحي مقولات هامة ترتبط بالإنسان ومفاهيمه وحياته، لم يخفت بريقها، وقد أعيد النص بأشكال مختلفة عبر أعمال مسرحية وسينمائية، كل هذه الأعمال الابداعية، وغيرها الكثير، تم عرضها خلال تظاهرة هامة جدا أتحفت الجمهور السوري بأجمل الأعمال السينمائية المأخوذة عن أشهر وأهم النصوص الأدبية العالمية..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية