تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عولمة وجشع!!

لوموند
الأحد 12/10/2008
ترجمة: سراب الأسمر

يبدو الحزب الاشتراكي الفرنسي الفريق الأكبر على الإطلاق, لكن جميع الأحزاب الاشتراكية الأوروبية تتدافع نحو الطوفان مع بعض الاستثناءات, فأحزاب اليسار تلك التي تكيّفت مع اقتصاد السوق وأصبحت علامة منتجة للسياسة الأوروبية تعيش حالة اضطراب عارم.

فها هو حزب العمال البريطاني قد أنهك بعد أحد عشر عاماً من السلطة وقلّت شعبية رئيس وزرائه غوردن براون. وكذلك انهار الحزب الديمقراطي الايطالي في الانتخابات الأخيرة بعد انفصاله عن أحزاب اليسار المتطرفة. والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني متردد بين الوسط والراديكالية. وقد مُنيت أحزاب اليسار في دول أوروبا-ايطاليا, ايرلندا, بلجيكا, بولونيا, الدانمارك, اليونان, إيستونيا وفنلندا-بالخسارة بالانتخابات قبل عام.‏

في نهاية أعوام 1990 حدث تحرك عام دفع الاشتراكيين إلى السلطة في إحدى عشرة دولة أوروبية من أصل خمس عشرة مثل البريطاني طوني بلير والفرنسي ليونيل جوسبان والألماني جيرهارد شرودر وفي السويد غوران بيرسن. واليوم, من أصل 27 دولة من دول الاتحاد ظلت سبع دول فقط اشتراكية ديمقراطية (هذا دون الأخذ بعين الاعتبار للتحالفات مع المحافظين في ألمانيا والنمسا حيث كانت انتخاباتهما في 28 أيلول الماضي).‏

في الواقع يجب أن تكون العودة متزامنة وذات دلالة.‏

فأزمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ليست فقط إضافة حالات خاصة, فهي أولاً متماثلة ومشكلتها تكمن في كيف يمكن لليسار أن يحافظ على ايديولوجيته وسماته الخاصة -بإنشاء المدينة الفاضلة, العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات- وكيف يتمكن من دمج اقتصاد سوق مدفوعاً بقوة بالعولمة والهجرات الدولية?‏

اليسار أكثر ليبرالية في إجابته: ظل الحزب الاشتراكي الديمقراطي عاجزاً بسبب تقديره المفرط لدور الدولة حين تكون بالكاد تموّل نفسها. واليوم يحمل اليسار الراديكالي جوابه بعد أن شجّعته إخفاقات الرأسمالية وأزمة المال الحالية: فقد ضاع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بتنازله السلبي لإنذارات الليبرالية. ثمّ أخذت الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية تتلمس طريقها وسط الظلام.‏

فسياستها الاقتصادية -الراغبة بالتماشي مع العولمة- لا تختلف شيئاً عن اليمين البراغماتي الذي يسعى للتحرر في المسائل الاجتماعية. يمين يصفه مارك لازار بأنه مجموعة من القيم المتناقضة لكنها مقدمة بأسلوب متلاحم فرداني مع تعاطف اجتماعي, ليبرالية مع الحمائية, العصرية مع التقاليد, الأمن مع محاربة الهجرة.‏

يمين يعرف كيف يخطف بحذاقة من اليسار سمات هويته, مثل البيئة والعدالة الاجتماعية. يقول غونرلاند سفير السويد في باريس: حظي تحالف وسط اليمين عندنا بالسلطة عام 2006 صارفاً النظر عن تخفيض الضرائب وآخذاً على عاتقه أنموذج المدينة الفاضلة. على غرار أنجيلا ميركل ونيكولا ساركوزي. كما الم تفِ الحكومات الاشتراكية الديمقراطية بوعودها في دول لم تعد تغذي ازدهار سنوات عزّها. كما إنها لم تظهر رابط القوة بين الثروة والمستخدمين, كما لم تتمكن من إيقاف اللامساواة الاجتماعية...‏

يقول هيبر فيدرين وهو وزير اشتراكي سابق:اليسار الأوروبي اعتنق اقتصاد سوق مدروس. الليبرالية أوجدت ثروات لم يسبق لها مثيل بحيث إن جميع الأنظمة المدروسة وصلت إلى القحط والاستبدادية.‏

لكن جاءت الثورة المحافظة بقيادة مارغريت تاتشر والليبرالية لتنقض الاشتراكية الديمقراطية, لكن لم تستطع تلك الأخيرة ضبط نتائج العولمة الليبرالية..‏

سيكون العمل دون جدوى إذا انفصل اليسار الأوروبي عن قاعدته الانتخابية التقليدية التي هي الطبقات المتوسطة الشعبية الحامية له. فقداأصبحت أحزاب اليسار أحزاب النخبة, هذا ما علّق به دينيس ماكشين وهو نائب من حزب العمال البريطاني. ولايمتلك رابطاً مع عالم العمل مثل المجازين والنقابيين والموظفين.‏

وهكذا باتت الهزيمة العامة للأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية جلية, فالحالة الفرنسية تعتبر أوضح مثال على ذلك بعد أن خسر الحزب الاشتراكي ثلاث معارك انتخابية رئاسية, لكنه لم يكفّ عن الفوز بالانتخابات المحلية. مع هذا لابد من القول إن الحزب الاشتراكي الديمقراطي يظل مشكلاً محوراً لتعاقب الأدوار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية