|
الواشنطن بوست ولأنني مؤرخ متخصص بشؤون المستوطنات كان يردني الكثير من الاسئلة المماثلة لهذا السؤال, خاصة بعد التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة الاسرائيلية المستقيل ايهود اولمرت الذي أكد به بأن مستقبل البلاد يعتمد على حل الدولتين لكن في الوقت ذاته استمر بناء الوحدات السكنية الجديدة في المستوطنات ما يضع العراقيل أمام تحقيق الانسحاب في المستقبل. ففي الوقت الذي دعا به الرئيس جورج بوش الأطراف المعنية إلى مؤتمر انابوليس للاجتماع في شهر تشرين الثاني الماضي كانت ثمة ضجة اعلامية في اسرائيل حول تجميد بناء المستوطنات عندما صرح اولمرت بأن كل طلب بناء يستدعي بالضرورة الحصول على موافقته المسبقة, لكن الواقع يؤكد بأن بناء المستوطنات في السنة الماضية لم يبق مستمراً فحسب وإنما أخذ بالتزايد على الرغم من تصريحات وتأكيدات أولمرت , وإبداء بوش مجدداً التزامه بخارطة الطريق المعلنة في عام 2003 التي نصت على تجميد بناء المستوطنات حيث تبين بأنه قد تم بناء ما يناهز 1000 وحدة سكنية في معاليم أدوميم , وجرت الموافقة في هذا العام على بناء 750 وحدة سكنية في جيفت زييف القريبة من القدس المحتلة , والاعلان عن استدراج عروض لبناء 350 وحدة سكنية في بيتراليت القريبة من القدس المحتلة, وقد تزامن ذلك مع بناء مئات الوحدات السكنية التي أضيفت إلى مباني المستوطنات في الضفة الغربية والتي اقترن بناؤها بموافقة من الحكومة . ازاء هذا الواقع فإن المبادرات الدبلوماسية لم تسفر نتائجها سوى عن الإسراع في بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة, وتباطؤ محادثات السلام بينما بقيت المباني ذات الأسطح القرميدية كصروح تخبرنا عما يجري على أرض الواقع. في معاليم أدوميم العديد من المباني السكنية المقامة على السفح الممتد بين القدس المحتلة ومدينة أريحا تعطينا دليلاً واضحاً عما يحدث جراء القرارات السرية المتعلقة ببناء تلك المستوطنة في هذا الموقع الذي بدأ التنفيذ به منذ عام 1974 , في الوقت الذي كان به وزير الخارجية الامريكية هنري كيسنجر يتوسط بين اسرائيل والاردن حول اتفاقية سلام مؤقتة حيث اقترح وزير الخارجية الاسرائلية ايجال الون في حينه ان تنسحب اسرائيل من أريحا كخطوة أولى تليها خطوات أخرى تتخلى عن مدن فلسطينيةرئيسية في الضفة الغربية , لكن الواقع يؤكد بأن نية الون كانت تنصرف للاحتفاظ بمساحات كبيرة من أراضي الضفة وإبقائها تحت الإدارة الاسرائيلية بحيث تحقق حزاماً يحيط بالقدس المحتلة تمهيداً لفصلها عن أريحا الامر الذي قاد إلى فشل المفاوضات الاسرائيلية الاردنية عام 1974. تلقى رودر ايتكس الناشط الاسرائيلي في حقوق الإنسان من منظمة يشي دين معلومات مصدرها الإدارة المدنية للجيش الاسرائيلي بشأن ما تمت مصادرته من أراضٍ في الضفة الغربية ,حيث تبين منها بأنه تم في نيسان عام1975 مصادرة 11 ميلاً مربعاً شرقي القدس المحتلة بدعوى المصلحة العامة, وفي عام 1977 تمت مصادرة ميل مربع آخر. اطلعني اينكس عبر جهاز الكمبيوتر على صورة جوية لهذه المستعمرة في الوقت الحاضر توضح الأراضي المصادرة, حيث تبين بأن جل المواقع التي بنيت عليها معاليم أدوميم تدخل ضمن نطاق الأراضي التي تمت مصادرتها, الأمر الذي يظهر لنا مدى الانتهاك الكبير للقانون الدولي ذلك لأن المادة 1907 من معاهدة لاهاي أعطت الحق للمحتل بمصادرة الأراضي عندما تم المصادرة للصالح العام لكن الواقع يؤكد بأن ما صودر من الأراضي في الضفة قد جاء لصالح الاستخدام الاسرائيلي فقط. في عام1970 انهت مصر واسرائيل حرب الاستنزاف تلبية لاقتراح وزير الخارجية الامريكية وليم روجرز وكان من المتعين ان تجري الخطوة الثانية لمبادرة روجرز ألا وهي اجراء محادثات للسلام, لكن الحكومة الاسرائيلية تحسباً مما قد يجري عليها من ضغوط عمدت إلى الاسراع في المصادقة على بناء المستوطنة الأولى في قطاع غزة الأمر الذي قاد إلى توقف الدبلوماسية وبقي بناء المستوطنات مستمراً فيها . تكرر امر مماثل في عام 1998 عندما دعا الرئيس بيل كلينتون إلى عقد قمة واي ريفير لانعاش عملية اوسلو, حيث انتهت القمة آنذاك بالتزام اسرائيلي بالانسحاب من الضفة الغربية ووعد فلسطيني بالوقوف ضد الارهاب لكن شيئاً من ذلك لم يحصل, بل ان ارئيل شارون وزير الخارجية آنذاك دعا المستوطنين علناً إلى التمسك بالأرض وقال لهم بأن كل شيء لايكون في ايدينا سيكون في ايديهم, ذلك ما دفع بالمؤسسة العسكرية إلى وضع النقاط التي يرغبون وضع اليد عليها في الضفة الغربية . منذ انابوليس استمر المستوطنون المتشددون في البناء على أمل وضع العراقيل في وجه أي عملية انسحاب في المستقبل وفي ذات الوقت توسعت الحكومة في الكتل الاستيطانية القائمة, وتصر على الاحتفاظ بها وبالتلال ومنها الأراضي المصادرة في معاليم أدوميم عند عقد أي اتفاق في المستقبل. يتماثل اولمرت وبوش من حيث مباشرتهما عملية التفاوض دون بذل الجهود اللازمة للاستمرار بها وعدم جديتهما في شجب التوسع في بناء المستوطنات وبذلك فإن ما تم بناؤه حديثاً يشكل دليلاً واضحاً على فشل سياستهما لجهة السلام, لأنهما بتصرفهما هذا وتراخيهما سيجعلان من السلام الاسرائيلي الفلسطيني أكثر صعوبة للرئيس القادم إن كان رغاباً فعلاً بتحقيقه. |
|