تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل نعيد النظر في مناهجنا الجامعية?!

مجتمع الجامعة
الأحد 12/10/2008
د. زهير ابراهيم جبور- جامعة تشرين

بعد أن كنت قد تناولت في مقالات سابقة واقع التعليم ما قبل الجامعي والأساليب التعليمية السائدة في جامعاتنا, فإن هذه المقالة ستتناول الحلقة المركزية والأهم ألا وهي المنهاج الجامعي أي المقررات الجامعية ومحتواها من المفردات ومدى مواكبة هذه المقررات للمستجدات العلمية.

إننا نعيش في عصر يتميز بقصر دورة المعرفة, حيث كل دورة تتفوق على سابقتها بسرعة تسبب الدوار, ولذلك فإن الهدف الرئيس لمناهجنا ونظامنا التعليمي ينبغي أن يتجه نحو إعداد طلبتنا لمواجهة التحديات العلمية والتقنية والاقتصادية والثقافية للقرن الحادي والعشرين أي الاتجاه للإجابة عن السؤال التالي:‏

ماذا على طلبتنا أن يعرفوا?!!!‏

وهل تلبي المناهج الحالية حاجاتنا التنموية والمعرفية?!‏

أو هل هي مؤهلة فعلاً بعد عقود من اتباعها لتحقيق نهضة علمية حقيقية?!‏

من المثير أن الإمام النفري قد رأى وببصيرة ثاقبة منذ أكثر من عشرة قرون أن: (العلم المستقر هو الجهل المستقر) ولعل هذه العبارة تشخص إلى حد كبير حال مناهجنا ومقرراتنا الجامعية التي ندرسها للطلبة.‏

وهناك عشرات الأمثلة على أن بعض المقررات تم تدريسها لأكثر من ربع قرن لنقوم نحن بتدريسها بعد أن درسناها طلاباً ولم يتغير فيها أي شيء جوهري رغم تعديلها وقبض مكافأة التعديل الشكلاني!!‏

ألا يشكل هذا الحال تكريساً للجهل وانقطاعاً عن مستجدات المعرفة مهما قدمنا من تسويغات?‏

أليس من الغريب والمستهجن أن محتوى المقررات الجامعية تم تحديده منذ عقود من قبل لجان مركزية تنتمي إلى طيف واسع من التخصصات, الأمر الذي جعل محتوى هذه المقررات يحيد عن العنوان ويغرق في العموميات التي تخلق كوادر هشة معرفياً?‏

ومع ذلك ينبغي الاعتراف أنه قد تم بالفعل افتتاح أقسام جديدة في جامعاتنا, وهذا يشكل خطوة إيجابية وتطورية اقتضت إدخال مقررات جديدة وقد تم إدخال الكثير من المفاهيم الحديثة إلى مناهجنا الجامعية, إلا أن ذلك يجب ألا ينسينا حال الكتاب الجامعي الراهن الذي لا يلبي حاجاتنا التنموية والمستقبلية شكلاً ولا مضموناً بل ينبغي تجاوزه ودونما إبطاء نحو الكتاب المرجعي وتحرير الأستاذ والطالب من قيود الكتاب الجامعي لأن أغلب الكتب الجامعية تم تحويلها من أمليات إلى كتب على نحو ارتجالي وعشوائي وبعضها يفتقر إلى الدقة العلمية والتوثيق العلمي والأمانة العلمية والكثير منها لا يملك إسناداً مرجعياً وفق المعايير العالمية المعروفة في تأليف الكتب وبعضها سطحي ويفتقر إلى المحتوى العلمي.‏

مع بعض الاستثناءات القليلة والنادرة التي قدم فيها بعض الأساتذة الأجلاء كتباً تتميز بالرصانة والأكاديمية الجديرة بالاحترام.‏

لذلك- وفي ضوء الواقع الراهن من منهاجنا الجامعي وربطاً مع حاجاتنا التنموية- فإننا بحاجة إلى تغيير شامل في المنهاج الجامعي ونقترح لتحقيق ذلك المنطلقات التالية - وهي مقاربات وليست ينبغيات:‏

1- تفعيل دور لجنة التأليف والتعريب والترجمة والنشر المشكلة في وزارة التعليم منذ عام 2006 على أن تكون الأولوية للترجمة لأن أغلب مشاريع إصلاح التعليم في العالم وكل النهضات العلمية بدأت بالترجمة بدءاً من تجربة بيت الحكمة في عصر المأمون وإصلاحات الميجي في اليابان - وبطرس الكبير في روسيا..والصين وغيرها.‏

إن إطلاق مشروع طموح لترجمة العلوم والمعارف العلمية يحقق لنا عدة أغراض منها, تطوير مهاراتنا اللغوية وتواصلنا مع المستجدات العلمية والاستفادة من تنوع المدارس المعرفية العالمية وإكسابنا خبرة في التأليف ما زال أغلبنا يفتقدها, ولو أن البعض منا يمتلك جرأة غريبة على التأليف, رغم عجزه عن الحديث بلغة عربية سليمة أمام طلابه ورغم أن الكثير من العلماء الذين حازوا على جائزة نوبل لم يقدموا على مغامرة تأليف كتاب واحد قبل تسلمهم الجائزة!!!‏

وهنا لابد من إعادة النظر جذرياً في شروط التأليف ومسوغاته والعمل على وضع شروط صارمة للتأليف وخاصة للكتب الصادرة باسم الجامعات السورية بحيث تضمن صناعة جديدة للكتب والمراجع الجامعية السورية على مستوى الشكل والمضمون يؤمن تسويقها والإقبال عليها من قبل الطلبة والباحثين العرب.‏

2- الإقدام على تغيير بنيوي يشمل محتوى المقررات الجامعية الحالية حذفاً وتعديلاً وتجديداً, وتكريس الكتاب المرجعي بديلاً عن الكتاب الجامعي الراهن.‏

3- إعادة النظر في مقررات السنة الأولى لأغلب الكليات العلمية والتي يفترض أن تشكل جسراً أو مرحلة انتقالية حقيقية بين التعليم ما قبل الجامعي والتعليم الجامعي, بينما أغلبها الأن ما هو إلا اجترار لمواد الصف الثالث الثانوي وبعضها حتى دون مستواها, بحيث نعمل على تكييف محتوى مقررات العلوم الأساسية لتكون أكثر ارتباطاً بالجانب التطبيقي في مناهج الكليات التطبيقية.‏

4- ارتباط تغيير المناهج بأهداف واضحة محددة وعلى رأسها توفير الشروط لتحقيق خرق علمي وتميز أكاديمي يضمن لنا إنتاج السلع المعرفية التي يمكن تسويقها وتجد الإقبال عليها في سوق العلم والتكنولوجيا الدولية. وهنا أذكر بالكوادر الهندية المتميزة في مجال المعلومات والتي تجد إقبالاً وطلباً من المؤسسات العلمية العالمية.‏

5- الإقرار بالعلاقة الوثيقة بين العلم والاقتصاد وبأن أي تطوير أو تقدم في إحداهما هو تطوير وتقدم في المجال الآخر ولا يخفى على أحد أن الازدهار الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين يتوقف على توفير منظومة معرفية ومعلوماتية في المؤسسات العلمية هدفها تكريس الابتكارات والاختراعات في كل المجالات أي إنشاء نظام اختراع وطني يستند إلى إصلاح حقيقي في المنهاج الجامعي.‏

6- إدخال مقررات جديدة إلى جميع التخصصات مثل :‏

مهارات التفكير وطرق وأصول البحث العلمي والتركيز على المفردات التي تعزز منهجية التفكير العلمي والنقدي لدى الطلبة.‏

7- التركيز على الدور الاجتماعي للعلم والتعليم في مناهجنا وذلك لتقديم خريج جامعي إلى المجتمع مسلح ليس بالعلم والمعارف التي تؤهله لشغل وظيفة ما, وإنما بالمفاهيم والقيم الأخلاقية التي تكرس العدالة والحرية والتنوير والعقلانية وأن يكون قادراً على الاندماج في محيط اجتماعي يتطلع نحو غدٍ أفضل!‏

وهنا اقترح إدخال مقرر يدمج بين التربية الدينية والتربية القومية تحت عنوان (الأخلاق) وقد كانت هذه المادة ضمن مناهجنا في خمسينيات القرن الماضي بحيث يعتمد على النصوص الدينية وتراثنا الأخلاقي في تعزيز مفاهيم التسامح واحترام الآخر واحترام البيئة وصيانتها - حماية الممتلكات العامة واحترام القانون - تعزيز الأمانة و الضمير المهني - تكريس الروح الوطنية والقومية - على أن يكون هذا المقرر أساسياً في امتحانات القبول الجامعي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية