تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حكومة أردوغان.. تصريحات مرتبكة وقرارات متسرعة

شؤون سياسية
الثلاثاء 27-11-2012
حسن حسن

تدرك حكومة حزب العدالة والتنمية التركية أن أي خطوة تتخذها لترجمة سيناريو المنطقة العازلة في أرض سورية ستكون الشرارة التي تفجر استقرار المنطقة والتي تصيب بتداعياتها كل دول المنطقة وتحديداً تركيا.

صحيح أن أردوغان يعتمد مبدأ الرعونة تجاه سورية لكن هذه الرعونة تتوقف عند حدود الضغط والتهويل على حين أكدت سورية في أكثر من مناسبة أن الحملات والتهديدات والتخيلات لن تثنيها عن مواصلة مسيرة الإصلاح ...وبأن أي اعتداء خارجي على الأرض السورية لن يكون نزهة.‏

وسورية الواثقة من قدرتها على المواجهة وإحباط المؤامرة التي تستهدفها تدرك أن حكومة أردوغان ليست مطلقة اليد في اتخاذ قرار بحجم قرار المواجهة مع سورية وخصوصاً أن المؤسسة العسكرية التركية العلمانية لاتزال هي الضمانة الحقيقية للدولة العلمانية وهي تنتظر حكومة أردوغان الإسلامية.‏

عند أول مفترق يهدد مصير الدولة التركية الحديثة التي بنيت على أنقاض الرجل المريض كماأن للمؤسسة العسكرية مآخذ كثيرة على حكومة أردوغان وإن أجزءاً كبيراً من الشارع التركي مستاء من حكومته بسبب تعاطيها مع مجزرة مرمرة التي ارتكبتها اسرائيل ومن الأسلوب السخيف الذي اتبعه أردوغان حين بدأ يهدد اسرائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور على حين لم ينفذ أي تهديد الأمر الذي انعكس سلباً على صورة تركيا وشعبها.‏

وحقيقة فإن الموقف التركي يبدو وكأنه يزاوج بين أسلوبين أويمارس ازدواجية ماتجاه الأحداث في سورية فهو من جهة لايهدئ من المطالبة بإصلاحات سريعة بأسلوب الصدمة ومن جهة ثانية تحتضن تركيا المعارضة ولاسيما جماعة الإخوان المسلمين وتمارس لغة أقرب إلى التهديد والتلويح العسكري وهي هنا تنطلق من جملة عوامل وأسباب لعل أهمها:‏

أولاً : لدى تركيا حساسية خاصة تجاه مايجري في سورية سواء على خلفية الحدود الطويلة بين البلدين والتي تصل إلى نحو 800 كم حيث التداخل الاجتماعي والثقافي.‏

أم على خلفية اختلاف الارتباط بالسياسات الدولية وبالتالي تأثيراتها التي أدخلتها تركيا ونظرتها إلى ترتيب مستقبل المنطقة فثمة من يرى أن المستجدات التي أدخلتها تركيا إلى سياستها تجاه الدول العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة حملت معها.‏

بعداً وظيفياً لتسويق نموذج أوسياسة محددة غيربعيدة عن ناظمها الخارجي .‏

ثانياً: إن مجمل المواقف التركية مماجري في مصر وتونس وليبيا ... لايخرج عن عاملين الأول عامل الاستحقاقات الداخلية أي مايتعلق بجمهور حزب العدالة والتنمية حيث كانت الانتخابات التشريعية التي فاز بها ، والثاني عامل المصالح المباشرة وهو عامل متعلق بالمصالح الاقتصادية وتحقيق الدور والنفوذ معاً .‏

ثالثاً : حزب العدالة والتنمية وعلى الرغم من حرصه الشديد في الداخل على إبعاد صفه الإسلامي عن نفسه والإصرار على وصف نفسه بالديمقراطي المحافظ فإنه في خطابه إزاء العالمين الإسلامي والعربي لايتوانى عن انتهاج خطاب يأخذ طابع الإسلام السياسي الذي يقدم تجربة ويرى أن يصلح نموذجاً ينبغي الاقتداد به عربياً .‏

ويكفي هنا أن نقول إن تجربة حزب العدالة والتنمية هي نتاج صراع مرير بين الإسلام السياسي والعلمانية المتمثلة بالجيش في تركيا على حين أن هذا الصراع غير موجود أصلاً في العالم العربي.‏

رابعاً الموقف التركي إزاد قضايا السياسة الخارجية يسعى إلى إيجاد نوع من التوافق مع المواقف الأوروبية والأميركية كقوى مؤثرة تصنع السياسة الدولية وعلى الرغم من أن تركيا حاولت خلال السنوات الأخيرة اتخاذ العديد من المواقف التي تعبر عن استقلاليتها كدولة إقليمية إلاأن الصحيح أيضاً أنها في كثير من المواقف سعت إلى التوافق لاحقاً بين سياستها والمواقف الأوروبية والأميركية .‏

فبعد أن رفضت بادئ الأمر قيام الحلف الأطلسي بأي عمليات عسكرية ضد ليبيا انضمت لاحقاً إلى جهود الحلف إزاء الأزمة الليبية.‏

حكومة أردوغان مرتبكة وهي تعيش عقدة ذنب نتيجة عدم اقتران أقوالها بالأفعال وهذا الارتباك تجلى تصعيداً ضد سورية لأن المطلوب من تركيا هومواكبة الضغط الغربي على سورية وذلك على غرار ماهو مطلوب من عرب أميركا وإسرائيل الذين قبضوا على قرار الجامعة العربية لتوفير غطاء للهجوم الأميركي الغربي على سورية لاشك أن سيناريو المنطقة العازلة هو جزء من المواكبة التركية للهجوم الغربي وهذا السيناريو هو لتشتيت القوة السورية على الجبهة مع العدو الصهيوني على حين أن الغطاء العربي هدفه إحراج قوى دولية حليفة لسورية !!‏

إلى جانب هذه الأسباب والعوامل لايخفى على أحد أن اللغة التركية إزاء مسألة التعامل مع الأحداث الجارية في المنطقة العربية هي أقرب إلى لغة الأخ الأكبر الأب العثماني العائد الذي يتحدث بصيغة الأوامر وأحياناً النصح المحمل بالتهديد المبطن وهي لغة غير بعيدة عن مضمون التطلع إلى قيام دولة تركية مركزية مؤثرة في أحداث المنطقة وقضاياها ومستقبلها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية