|
ملحق ثقافي من رسالة ملك ماري الذي كان يدعى اينا - داجان، تحكم من قبل ملك ماري ذاته. هكذا وقعت مدينة – مملكة ماري في مدار اهتمامات علماء الآثار، الذين اكتشفوا إيبلا. أظهرت رُقُم ماري الطينية تفاصيل ممتعة عن تاريخ هذه المدينة. وتوضح أن الحواريين قطنوا هذه المدينة قبل استيطانها من قبل الآموريين الساميين. وعاش الحواريون في شمال غرب ما بين النهرين على أراضي فينيقيا وفي جنوب الأناضول وفي مناطق سوريا الشمالية والوسطى وعلى ضفاف مناطق الفرات
الأوسط. ويفترض علماء الآثار أنهم استوطنوا في هذه المناطق في الحقبة الواقعة بين الألف الخامسة والثانية قبل الميلاد. وكانوا يشكلون غالبية سكان شمال سوريا. واستخدمت هذه الشعوب الكتابة المسمارية الآشورية - البابلية. وتشير إلى ذلك أطلال ما كتب باللغة الحوارية العائدة إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد، والتي عثر عليها في مدينة ماري أثناء تنقيبات علماء الآثار. وهنالك نصوص أكثر قدماً، هي عبارة عن رسالة تتألف من 500 سطر، أرسلها ملك الحواريين توغلات إلى فرعون مصر أمنحوتب الثالث. كتبت هذه الرسالة في عام 1400 قبل الميلاد تقريباً. وعثر عليها علماء الآثار في مكان بعيد عن ماري يقع على الأراضي المصرية في مدينة تل الحمارنة، في المكان الذي عثر فيه على أرشيف فراعنة مصر. جرى طرد الحواريين من ماري بالتدريج، وبدأ هذا الأمر على الأرجح منذ الألف الثالثة قبل الميلاد. أما قبائل الآموريين البدوية، التي هجرت شبه الجزيرة العربية واستوطنت في هذه المنطقة، فعلى الرغم من أنها تابعت ممارسة الرعي بالفطرة، لكن زراعة الأرض والتجارة وسبك المعادن والحياكة وصناعة الصوف وغيرها أصبحت سائدة أكثر عندها. ولم يكن دور الحرب في حياتهم دوراً ثانوياً. وتميز ملوك ماري عن الفينيقيين بأنهم وجهوا قواتهم ضد بلدان وشعوب مختلفة ومن بينها جارتهم إيبلا والمناطق الجنوبية لبلاد ما بين النهرين. لهذا كانوا يدخلون في أحلاف سياسية وعسكرية مختلفة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ملوك ماري حاربوا ممالك أخرى ليس بشكل منفرد، بل دخلوا هذه الحروب وهم أعضاء في اتحادات عسكرية أيضاً. وتعتبر الاتفاقية المعقودة بين ملك ماري زيمريليم وملك بابل حمورابي بشأن خوض حروب مشتركة ضد مدن - ممالك مناطق ما بين النهرين الجنوبية ودول بلدان سوريا المجاورة، تعتبر برهاناً على ذلك. بينت الأبحاث أن وصول حمورابي إلى السلطة تبعه تغيرات كبيرة في الشرق القديم الأدنى والأوسط. كان حمورابي دبلوماسياً محنكاً وأجاد الحيل الدبلوماسية في سياسته الخارجية آخذاً بعين الاعتبار قوته العسكرية، كما كان داهية، ومن غير المدهش انتحاءه سياسة توحيد الممالك الصغيرة الواقعة في بلاد ما بين النهرين لتصبح مملكة كبيرة، وضم أراضي جديدة إلى بابل. كان اتحاد حمورابي مع ملك ماري ضرورياً للوقوف معاً في وجه قبائل البدو المغيرة، التي كانت تجرف كل ما تجده في طريقها دون رحمة، الأمر الذي أضجر سكان ماري. كانت هذه المدينة - المملكة مثار أطماع الآخرين لما كانت تتميز به من تنظيم راق ونظام سائد وتوفر للخيرات ومحصول من القمح والخضار والفواكه وافر والثراء الكبير، الذي كانت تحصل عليه مما تفرضه من ضرائب على تجارة الترانزيت. وللتخلص من هكذا عدو، عقد حمورابي اتفاقية في جنوب ما بين النهرين وعيلام مع ملك ماري زيمريليم. ويتمكن حمورابي بتعاونه مع هذا الملك من تحطيم القبائل البدوية وبعدها أعداءه الآخرين جميعاً، ويصبح الحاكم المطلق في أجزاء ما بين النهرين الوسطى والجنوبية، وينتصر على ملك عيلام ريمسين. كان زيمريليم أقل عدوانية، لكنه كان مضطراً للموافقة على هذه الحملات، مفترضاً أنه بذلك يجنب نفسه ومملكته خطر الاحتلال البابلي وكأنه بهذا يبعد أطماع حمورابي عن نفسه. يكتب زيمريليم بخصوص ذلك رسالة ويرسلها إلى حمورابي واعداً إياه بأن يبقى حليفه المخلص على الدوام. لكن هذه السياسة لم تساعد زيمريليم: فحمورابي الذي انتصر على أعدائه الخطرين باتحاده مع زيمريليم، يغدره ويهاجم دولة ماري ويحتلها في المعارك التي نشبت بين عامي «1758 و1756 ق.م» ويقوم بتدمير وحرق المدينة كاملة، أما ما تبقى من سكان المدينة فيأخذهم أسرى بمن فيهم حليفه القديم زيمريليم ويأمر بإعدامه، على الرغم من أنه في مراسلاته السابقة، سماه أخاً له. لم تعد ماري بعد سقوطها إلى الحياة مرة أخرى. لماذا اختفت؟ وإلى الآن لم يعثر على إجابة عن هذا السؤال. يفترض العلماء أنه تم تدمير ماري دون رحمة وبشكل بربري. وقد يكون أحد هذه الأسباب هو تغيير اتجاه المجرى الاقتصادي الهام لمدينة نهر الفرات. والآن يمر هذا النهر شرق ماري بثلاث كيلومترات. وهنالك سبب محتمل آخر هو تدمير نظام الري، الذي هو عبارة عن وادٍ للسقاية طوله 40 كم وعرضه 15 كم. كان التدمير هائلاً، لكن لحسن الحظ، لم يطل التدمير كل شيء، وتبين أن ما لم يصله التدمير كان مدفوناً في رمال صحراء بلاد سوريا الصابرة. وتبين أن تحف حضارة ماري النفيسة شكلت طبقة من الآثار السميكة حفظت في الأرض وتعود إلى الألفين الثالثة والثانية قبل الميلاد. ومن بين هذه الآثار، يمكننا تمييز قصر ملوك ماري، ومعبد الآلهة عشتار ونينحورساج والرب داغان، والبرج المتدرج «زاقورة». فالقصر الملكي عبارة عن إنشاء كبير مساحته تصل إلى 2,5 هكتار. كما عثر علماء الآثار على صالة العرش ومستودعات وحمامات ومطابخ ومدرسة وأرشيف كتابات مسمارية «كتب طينية»، يتألف من 25 ألف رقم بمختلف لغات العالم القديم: الحوارية والسومرية والآشورية - البابلية. |
|