تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


روسيا ميدفيديف.. على خطا بوتين

شؤون سياسية
الأحد 9 / 3 / 2008
د. حيدر حيدر

بفوزه في الانتخابات الرئاسية الروسية , يصبح ديمتري ميدفيديف الرئيس الثالث لروسيا الاتحادية منذ تفكك الاتحاد السوفييتي.

وبانتظار ميدفيديف قضايا رئيسية على المستويين الداخلي والخارجي, فهذه المرحلة تعد بحق مرحلة إعادة بناء شامل لهياكل السلطة داخلياً, فالروس الذين صوتوا بكثافة ينتظرون ويتوقعون تحسناً كبيراً في أحوالهم المعيشية التي شهدت نمواً ملحوظاً في عهد الرئيس فلاديمير بوتين, الذي سيبقى المهندس الأساسي لكل التوجهات الداخلية والخارجية لروسيا, فهو سيكون رئيساً للوزراء في المرحلة المقبلة, وبالتالي فإن تمتعه (بكاريزما) كبيرة يبقيه مصدر قوة للقادم الجديد إلى سدة رئاسة الكرملين, وإذا كانت آراء النخب السياسية والاقتصادية الروسية تتوقع عودة روح المواجهة مع الغرب, فإن هذا يعتمد أساساً على التحسن الاقتصادي والاستقرار السياسي الذي تتابع انتهاجه موسكو مع حالة نهوض مجتمعي يؤيد السياسات الحالية للكرملين.‏

وبالطبع هناك علاقة طردية بين التطور الاقتصادي والاستقرار السياسي وتحسن الوضع الداخلي وبين اتساع المواجهة والتباين بين مواقف ومصالح روسيا من جهة ومواقف ومصالح الغرب من جهة أخرى.‏

لقد شهدت السنوات الأخيرة عودة دبلوماسية نشطة, وبدأت موسكو ببناء علاقات شراكة جديدة وفتح أسواق وإعادة بناء تحالفات مع شركاء تقليديين في مختلف بقاع العالم, ومع انطلاق مرحلة جديدة في روسيا التي تخلصت من معظم الديون الخارجية التي ورثتها عن الحقبة السوفييتية (70 مليار دولار) ومع تحقيقها نمواً اقتصادياً بلغ 9% عام 2007 حسب العديد من الخبراء, وبالتالي فإن الروس مقتنعون تماماً بأن السياسة الخارجية لبلادهم لن تشهد تراجعات في الملفات الكبرى, بل ويتوقعون تصاعد المواجهة بين موسكو وواشنطن- وإن كانت لن تصل إلى مرحلة حروب باردة جديدة.‏

وإذا كانت روسيا الاتحادية بمساحتها البالغة سبعة عشر مليون كم2 وبسكانها البالغ عددهم 142 مليون نسمة تسعى لتكون قوة اقتصادية عظمى خلال السنوات العشر القادمة, فإنها تعتمد في كونها أول مصدر للغاز في العالم والثاني في مجال النفط إضافة إلى قوتها العسكرية المتنامية والتي أظهرتها علناً في المناورات التي أجرتها مؤخراً.‏

كما أن روسيا ومع تعاظم قوتها وتعافيها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وزوال حلف وارسو وانفراط عقد الدول الاشتراكية, ترى -وهو ماعكسته سياساتها - أن هناك قضايا خارجية رئيسية لاتقبل بالتراجع عنها أوربما المساومة بشأنها, وأولى هذه الملفات مسألة الدرع الصاروخية في أوروبا والتي تؤرق موسكو كثيراً, وقد هددت باستخدام القوة وتوجيه الصواريخ نحو البلدان التي تقبل بنشرها على أراضيها كما أن العلاقة بين حلف شمال الأطلسي الذي يواصل محاولات التوسع شرقاً نحو الحدود الروسية بما يعنيه من تهديد مباشر, لايرضي الروس, وهم يردون على سباق التسلح بتصنيع صواريخ متطورة وبتعزيز قدراتهم العسكرية, وهناك خطط روسية لنشر قوات في مناطق جديدة, وصربيا مرشحة لاستقبال مثل هذه القوات, كما أن الروس قلقون من الخطط الأميركية لنشر أسلحة في الفضاء الخارجي مثلهم في ذلك مثل الصين التي عبرت عن استيائها أيضاً.‏

ولاننسى سعي واشنطن لجعل دول الرابطة المستقلة أعضاء في حلف الناتو مثل جورجيا, مايعني وجود قوات الأطلسي على حدود روسيا مباشرة, وهنا تهدد موسكو بالاعتراف باستقلال ابخازيا وأوسيتيا الجنوبية في حال أعلنتا الاستقلال رداً على خطوة واشنطن الاعتراف باستقلال كوسوفو, ومايستتبع ذلك من إمكانيات نشر قوات روسية في ابخازيا وأوسيتيا الجنوبية كرد على توسع الناتو ووصوله إلى حدودها, ولاننسى هنا أن المواجهة ترتفع حدتها في منطقتي جنوب القوقاز ووسط آسيا, لقيام ا لولايات المتحدة بدعم خطط مد أنابيب النفط والغاز دون المرور بالأراضي الروسية.‏

ويبقى الملف الإيراني بنظر موسكو مهماً لها فهي تعتبر طهران (شريكاً أساسياً) ورغم ( مهادنتها) للغرب في مجلس الأمن وخاصة تحذيرها الأخير لإيران من أنها ستوافق على صدور قرار بتشديد العقوبات, لكن الوقائع على الأرض تبرهن على زيادة التعاون بين البلدين, اللذين يأملان توقيع اتفاق مهم لإنشاء محطات كهروذرية جديدة في إيران بعد انتهاء العمل في محطة (بوشهر) وهناك مشروع لصناعة طائرات ركاب روسية في مصانع إيرانية تزيد قيمته عن ملياري دولار وتتوقع المصادر التوقيع عليه في نهاية أيار.‏

أما الشرق الأوسط فقد شهدت السنوات الأخيرة نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً وعودة روسيا للانخراط في القضايا الساخنة وإعادة بناء علاقات مع شركاء تقليديين في المنطقة, إضافة لبناء علاقات شراكة جديدة مع دول مثل السعودية والأردن, وكانت التقديرات السابقة تقول إن روسيا فقدت (الشرق الأوسط) إلى الأبد,وخاصة في عهد يلتسين,حيث عانى الروس من الابتعاد عن المنطقة سياسياً واقتصادياً, فقد كانت روسيا في عهد يلتسين متوجهة بالكامل صوب الغرب.‏

لكن صانعي القرار الروسي اليوم يدركون تماماً أهمية المنطقة ويسعون لاستعادة نفوذهم الاقتصادي والسياسي وفتح آفاق جديدة أمام عودة روسيا وزيادة تأثير بلادهم في الملفات الساخنة مع تصاعد ( المواجهة) الروسية -الأميركية والتي ينبغي التهويل بشأنها أو الحط منهامايساعد موسكو لعودة ناجحة الاستفادة من الأخطاء الأميركية الفادحة, وخاصة في عهد الرئيس الحالي جورج بوش وهذا يعطيها إمكانية العودة والتقدم بخطوات واسعة للمساهمة في إيجاد حلول لقضايا المنطقة الشائكة وأهمها قضية الصراع العربي- الإسرائيلي, وبالفعل فقد دعت موسكو لعقد مؤتمر شامل حول السلام في الشرق الأوسط, كما يمكنها أن تساعد في ملفات أخرى مثل العراق مستفيدة من التعثر الأميركي وانسداد الأفق جراء احتلال العراق. إن زيادة التعاون بين روسيا والعديد من الدول العربية ينعكس ايجاباً على الطرفين لكسر احتكار أميركا للهيمنة على المنطقة.‏

إذاً روسيا اليوم أنجزت الكثير على الصعيدين الداخلي والخارجي, لكن أمامها الكثير أيضاً لتنجزه في المرحلة المقبلة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية