|
شؤون سياسية وفي تقديرنا إن العملية العسكرية الراهنة للاحتلال الإسرائيلي في شمال القطاع إنما تأتي في السياق الطبيعي لنهج وسياسة الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني من أكثر من أربعين عاماً, هذا من جهة ومن جهة أخرى فهي أيضاً عملية عسكرية متقدمة تأتي في سياق الاستكشاف بالدم, وجس النبض ومعرفة قوة الخصم فالاحتلال أرسل جيشه كقوة استطلاع لحسم الجدل الدائر في أوساط القيادة الصهيونية حول جدوى الاجتياح الشامل من عدمه, على ضوء تقدير الموقف لنتائج العملية العسكرية الكبيرة الراهنة في شمال القطاع التي يدفع فيها الشعب الفلسطيني الثمن من دمه, ومن أشلاء أطفاله الممزقة في الطرقات وتحت الركام. ويأتي هذا العدوان استمراراً لتنفيذ السياسة الاستراتيجية الإسرائيلية المتعمدة والتي سارت عليها كافة الحكومات الإسرائيلية, خصوصاً منذ فشل قمة كامب ديفيد عام ,2000 وحتى الآن والرامية إلى تغيير الوعي الفلسطيني وكسر إرادة الشعب الفلسطيني في الصمود والمقاومة ودفعه لقبول ما تعرضه إسرائيل من حلول لتصفية القضية الفلسطينية في مختلف أبعادها, وليست قضية اللاجئين فقط, وفي سياق هذا الفهم فقط, نفهم لماذا استمر العدوان في الضفة رغم وقف المقاومة فيها? ولماذا استمر العدوان والحصار في غزة حتى في اللحظات التي توقف فيها إطلاق الصواريخ. كذلك لا يمكن فصل هذا العدوان عن مجريات الأحداث السابقة واللاحقة لحرب تموز, وعن الإخفاقات المتلاحقة لمشاريع الهيمنة الأميركية في المنطقة وتعزيز دور محور المقاومة والممانعة, والارباك الذي ما زال يعاني منه الكيان الصهيوني, إنه الجرح اللبناني أو عقدة حزب الله التي باتت تتحكم في التفكير الإسرائيلي تجاه المنطقة بشكل عام وتجاه الفلسطينيين بشكل خاص, فبعض القادة الإسرائيليين يفكرون في الاستشفاء من هذا المرض بحثاً عن انجازات في أزقة قطاع غزة لكنهم في هذا واهمون. بعد كل هزيمة يتعرض لها الجيش الإسرائيلي في لبنان يسعى لتعويضها في الأراضي الفلسطينية المحتلة, فبعد رحيل باراك المذل بجيشه من لبنان في عام 2000 كان همه ألا تشكل هزيمة إسرائيل في لبنان وتحرير الجنوب دافعاً للمقاومة الفلسطينية في إطار سعيها لتحرير الأرض الفلسطينية وكانت رسائلهم وتهديداتهم بالشعب الفلسطيني بحجم المرارة التي تجرعوها في لبنان عبر ما يقارب العشرين عاماً من الاحتلال , ونفس التوجه كان للحكومة الإسرائيلية الحالية بعد هزيمتها في لبنان حيث موقفها المعلن هو إعادة الهيبة المفقودة للجيش الإسرائيلي في لبنان عبر حملة عسكرية قوية على المقاومة الفلسطينية بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص لكي لا يتحول قطاع غزة لجنوب لبنان ثان, وكل المؤشرات تسير في هذا الاتجاه هذا من جهة, ومن جهة أخرى تحقيق مآربه السياسية من خلال مراكمة الضغوط العسكرية والاقتصادية والاجتماعية على الشعب الفلسطيني لإرغام المقاومة وحركة حماس على رفع الراية البيضاء وإلا فالمحرقة,.. حسب تصريح نائب وزير الدفاع فلنائي 29/2 الذي هدد غزة وحركة حماس بمحرقة أكبر إذا استمرت المقاومة في إطلاق الصواريخ وفي ذات السياق فقذ توعد وزير الحرب باراك 29/2 غزة وحركة حماس بالمزيد من العمليات العسكرية معرباً عن أنه (لا مفر من حملة عسكرية واسعة في القطاع). أمام هذا المشهد الدموي وجريمة الحرب التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني باستخدامه المدنيين هدفاً, لابد من الإشارة إلى أن حسم القرار الصهيوني بخصوص القيام بالمحرقة أو استكمال ما بدؤوه من إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة, سيرتكز في أحد مكوناته إلى الموقف الفلسطيني والعربي والدولي الرسمي المصاحب للعمليات العسكرية الراهنة, فإذا لاذوا بالصمت أو تقديم المسوغات والغطاء للعمليات الإسرائيلية فهذا سيشجع الاحتلال على ارتكاب المزيد من المجازر والحماقات. لكن رغم كل هذه الوحشية وكل هذا الدعم للمعتدي والصمت على جرائمه لن تسقط غزة, فالشعب الفلسطيني الذي استطاع الصمود والمقاومة عبر العقود الماضية دون وجود الحد الأدنى من المقومات المادية يصنع معجزة, وهذا وحده كاف لأن يرعب الصهاينة ويدفعهم إلى إنهاء العدوان فهذا الصمود الاسطوري المعمد بدم الأطفال يؤكد أن العد العكسي للوجود الإسرائيلي قد بدأ, فالشعب الذي يتحلى بهذه الإرادة والشجاعة والتضحية الهائلة لا يمكن أن يهزم مهما طال الزمن, وسيظل رافعاً راية المقاومة إلى أن يحقق النصر. |
|