|
شؤون سياسية إصبعها بالرفض والاحتجاج, في زمن لانت فيه المفاصل وتبعثرت الأصابع أو غرقت في البصم والنعم دون مشاركات أو مواقف أو آراء ومواقف تذكر أو قابلة للذكر في كتب التاريخ المقبلة ولا حتى في المقالات اليومية.وإذا كانت الجهود منصبة وبقوة في المطابخ العربية والإقليمية والدولية على إنجاح قمة دمشق أو إفشالها مع أواخر هذا الشهر, وهي جهود حافلة بالتضارب والاضطراب وحمى التهويل والتخويف مع تقاطر الأساطيل الحربية والمدمرات الأميركية قبالة الشواطئ اللبنانية, فإن الأنامل الدمشقية, كعادتها, تبدو مشغولة بترتيب نفسها لاستقبال الملوك والرؤساء العرب للقمة العربية العادية التي تحمل الرقم 20 في زمن غير عادي على الإطلاق ومشحون بأفدح التحديات وأخطرها, أقلها الحروب والمذابح المنتشرة في المثلث الفلسطيني العراقي اللبناني إلى التشظيات المتعددة التي أصابت العرب والعروبة في الصميم, كما هي مشغولة أيضاً بترتيب كؤوس اللبن الطازج المخفف بماء بردى المصفى البارد وتقديمها للضيوف العرب الأكارم بوجه ربيعي طافح بآذار, وجه خبير يحسن التعامل مع معضلة الزمان يروضه ويفهمه ومنه يفهم وهو القوة الضخمة العليا قاهرة الإنسان والدول والحضارات والامبراطوريات ومفتتها وحاشرها في زوايا الكتب والقواميس العتيقة المهملة, وهو وجه يرحب بالخصوم والأصدقاء والجيران والأشقاء مهما كان مستوى تمثيلهم في القمم العربية المرتقبة حتى ولو كانت بمن حضر. وكأني بدمشق التي تستضيف القمة العربية للمرة الأولى تلح على خروج العرب النهائي من التعثر في تحويل القمة إلى مؤسسة عربية, والتأكيد على الرغم من الانقسامات كلها, على قدسية الدورية في الاجتماع العربي وانتظامه للتلويح ولو بالاجتماع, فإنه نجاح يصب في نهاية المطاف في خانة التقارب ومؤالفة الأوطان العربية المفلوشة خرائطها على طاولات الأمم بشكل واضح ومكشوف, يعيد رسمها ويبعثرها ويوقظ الجماعات الصغيرة فيها ويهددها بالتشظيات الكثيرة البادية في الأفق والتي لن يخرج منها قطر عربي سالماً. لماذا? لأننا في زمن طارئ يجعل من قمة دمشق قمة الأزمات الأصعب. وقد لا يتضح تماماً لمن يتابع تاريخ القمم العربية, في عناوينها العريضة وجداول أعمالها ومناقشاتها ووقائعها ومقرراتها ومتابعة تنفيذ هذه المقررات, مدى الخلط الهائل في الذهن العربي الرسمي بين العادي والطارئ, يجتمعون في دورات عادية عندما تكون بلادهم في ظروف استثنائية, ويجتمعون بشكل استثنائي لقضايا عادية غير طارئة على الإطلاق. فعلاً ما الفرق بين القمة العربية العادية والقمة العربية الطارئة? وكيف تكون القمة العربية العشرون المقبلة في دمشق عادية في زمن كل ما فيه ينبئ بالمخاطر والتحديات والتشظيات والانقسامات. بدأ تاريخ القمم العربية منذ أيار/مايو 1946 في انشاص لمناصرة القضية الفلسطينية, تلتها قمة بيروت الطارئة بعد عقد لدعم مصر في وجه ما عرف بالعدوان الثلاثي, لكن لم يسبق للعرب منذ التئام قمتهم العربية الطارئة الأولى في القاهرة في العام ,1964 بوصفها مؤسسة عربية رسمية سياسية, أعقبتها دزينة من القمم العادية وتسع قمم طارئة شاءت الظروف أن تعقد في القاهرة أيضاً في العام 2000 ليصار بعدها إلى قمتين عربيتين في بيروت والرياض, أن شهدوا أنظمة وشعوباً, هذا المستوى من الضغوط والمخاطر العربية والعالمية. ويتضح من خلال هذا التاريخ الطويل من القمم العربية أن نصف القمم العربية كانت استثنائية وطارئة بينما كان النصف الثاني عادياً, وعلى الرغم من أن حدود قوة الزعماء العرب في اجتماعاتهم وقدراتهم كانت محكومة بسيطرة الصراع العربي الإسرائيلي, وتخفيف حدة المشكلات والأزمات العربية الطارئة, بما يعطي القمم وظيفة الوقاية السياسية ومنع اندلاع الأزمات لا القدرة على المعالجات الجذرية لهذه الأزمات والإشكاليات, فإننا نلحظ الحضور الهائل لردود الأفعال Reaction لا الأفعال Action التي يفترض بها أن تتحكم في مؤسسة القمة العربية ودورها في نهضة العرب وتكاملهم ووحدتهم, هاتان الديناميتان المتناقضتان تؤثران فعلياً وسلبياً في فلسفة القمم العربية كما في الأمن القومي العربي ومستقبل العرب في الزمن الذي نفذ فيه الأوروبيون إلى تكاملهم ووحدتهم عبر اقتصاد الحديد والفحم الحجري كما نفذت المكسيك وكندا والولايات المتحدة إلى التكامل والتعاون المفروضين في عصر انهيار الحدود لا إعادة رفعها سدوداً بين أقطار العرب كما نتابع على أبواب قمة دمشق. ويتساءل المراقب البارد ببساطة.. كيف للزعماء العرب أو بعضهم أن يستغرقوا في التبرم في موضوع قمتهم السنوية التي تبدو غير عادية بل أكثر من استثنائية في زمن أكثر من استثنائي? هذا الزمن المصاحب لارتفاع هائل في أسعار النفط والذي يخفي مخاطر وحروباً ممكنة مستطيرة, بالرغم من أنه مسكون بأشد الأزمات والقضايا ولو كانت الحجة الظاهرة مسألة انتخاب رئيس جديد لجمهورية لبنان, تكاد تحول لبنان البلد الصغير من مشكلة إلى قضية عربية, وشتان ما بينهما لأن المسألة الفلسطينية هي القضية العربية الأولى والأبرز وفيها تتشابك بشكل هائل العوامل الداخلية والخارجية, ما يجعل من لبنان مسألة متحيرة بين القضية والمشكلة هي هذا التوسع الهائل في الباب اللبناني على التدخلات الخارجية التي أدت إلى انقسامات وطنية حادة غير طائفية كما كان يحصل في السابق ويورث حروباً طائفية خطيرة, بحيث بات الخارج أقوى وأوزن من الداخل ولهذا لا بد من قمة عربية ذات أبعاد إقليمية ودولية تساعد في سد الهوات بين السلطة والمعارضة. ليست قمة دمشق قمة زعامات, ولا أتصور بأن دمشق تبحث عن الإعلان عن زعامة عربية جديدة تكون هي محورها في انقسامات العرب بين الدم والنفط والماء, وفي ظل الحصار الذي فرضه ويفرضه الأميركيون على المشرق العربي والعالمين العربي والإسلامي, وعلى الأقل, وبشكل موضوعي, يمكن القول إن تحديد هوية الزعامة أو عدمها ليست ملكاً للأنظمة بمقدار ما هي ملك للشعوب العربية ومستقبلها ووعيها بالحاضر والمستقبل, إنها على الأرجح قمة أزمات تتفاقهم مشكلاتها منذ أن جهدت أميركا بسلاحها بكسر وخلع أبواب الشرق, وأثمرت تلك الأعوام التي تلت سقوط البرجين حركة عربية معتدلة وتعاوناً واضحاً وشراكات في العديد من الملفات بقصد المعالجة والاستيعاب مقابل حركة عربية وإقليمية ممانعة ومقاومة, المشكلات مزدوجة والحلول متعثرة والمحاور واضحة في انقسامها, لكن دول الجوار الإسلامي مثل تركيا وإيران تضفيان جواً من الميل إلى التسويات والحلول, ومع أننا لا نشيح ببصرنا عن التوترات الأميركية الإيرانية المتصاعدة انطلاقاً من شواطئ بيروت, لا نترقب حلولاً نهائية خلال وقت قصير, لكن منطق القمم خلق أساساً من أجل المبادرات وتفعيلها وإيجاد الحلول لها, وعلى الأرجح فإن منطق الاستيعاب قد يغلب مناخ المصلحة والوقاية لدى مختلف الأطراف المحلية والإقليمية, تلك هي أهمية القمة الدمشقية بعدما سلكت أميركا بحجة مكافحة الإرهاب سلوك (الفوضى الخلاقة) الذي ضاعف التطرف والقتل ولم يثبت الديمقراطيات المستوردة. إنها قمة الحوار القاسي الضروري والجميل التي قد تفصل بين العادي والاستثنائي, أو بين أزمنة الشعوب وأزمنة الأنظمة, والتي يفترض أن تمنح وفي أي مستوى مناخاً ونكهة وقدرات لا ينبغي التفريط أو الاستهانة بها, ولا يجوز كذلك المبالغة في نتائجها من ناحية أخرى. *كاتب وأستاذ جامعي - رئيس التكتل الوطني الديمقراطي اللبناني Nassim.khoury@gmail.com drnassim@hotmail.com |
|