|
ترجمة مازالت إسرائيل تنذر بالقيام بعملية عسكرية أرضية واسعة النطاق, ومن دواعي الاستغراب أن يستمر المسؤولون الإسرائيليون بترديد إنذاراتهم تلك في الوقت الذي اخترقت به قواتهم مخيم اللاجئين, ومارست عمليات القتل الجماعي وإراقة الدماء بشراسة منقطعة النظير. كما تصر أيضاً على كذبة دأبت على ترديدها وهي (ضبط النفس), لقد قتلت (إسرائيل) من الفلسطينيين في يومين متتالين أكثر مما قتلت صواريخ القسام على مدى سبع السنوات الماضية, حيث كان من بين القتلى في اليوم الأول أربعة أطفال وطفل رضيع, وفي اليوم الثاني قتلت أربعة صبية, فمن الضحية في هذا الحال? هل هي (إسرائيل), ومن الجهة التي تمارس الوحشية? هل الفلسطينيون? إن الأكذوبة التي دأبنا على ترديدها بأننا ضحية ليست بالأمر الجديد, أما الكذبة الجديدة التي ابتكرناها فهي عبارة (ضبط النفس) التي ندعي بها إزاء سقوط صواريخ القساميين ونستمر بترديد تلك العبارة التي كثر استخدامها من قبل الساسة والمعلقين وخبراء الأمن, وكأن العملية الواسعة النطاق التي نهدد بها لم تبدأ بعد, لكن الواقع يؤكد لنا أنها بدأت منذ عهد بعيد وبلغت ذروتها منذ عدة أيام. وعلى الرغم من استمرارنا بالادعاء بعدم مباشرة القيام بها نجد أن القوات الإسرائيلية تقتل العشرات في يوم واحد, الأمر الذي يفند ادعاءاتنا. سئل أحد كبار الوزراء عن حصار غزة فاعتبره بديلاً من الاحتلال الذي يرى به أمراً غير أخلاقي, وبذلك نكون قد وضعنا لانفسنا قيماً أخلاقية مشوهة, خاصة عندما نجد أن الحكومة بعد كل تصرف مريع في غزة تدعي بوجود خيارات أسوأ, لكن الحقيقة لم يعد لديناخيار لم نتبعه كي نتمكن من تقديم أنفسنا بشكل ايجابي والتباهي بأخلاقياتنا. خلال السنتين الماضيتين قتلنا حوالي 900 فلسطيني من سكان غزة نصفهم من المدنيين الذين ليس لهم أي مشاركة في عمل قتالي. وهذا يفيد ما ندعيه من ضبط النفس, وخاصة أنه في الوقت الذي نحصي به عدد صواريخ القسام التي سقطت على مدننا, يكون سكان غزة يحصون عدد قتلاهم, الأمر الذي يؤكد لنا بأن ما ندعيه ما هو إلا خداع لأنفسنا وللغير. لنتخيل أن الفلسطينيين قتلوا عشرات الإسرائيليين ومنهم نساء وأطفال في أسبوع واحد كما فعلت القوات الإسرائيلية, فما عدد الاحتجاجات الدولية التي ستعلن? أما استمرار الادعاء بأننا نقوم بضبط انفسنا وكبحها فلا يشكل سوى مؤشر عن امكانية قيامنا بعمليات أكثر عنفاً وشراسة. لا نشك بأن الحصار والاغتيالات والهجوم الذي تم في عطلة نهاية الاسبوع من الأمور المريعة, أما ما ندعيه من عدم وجود نية لقتل المدنيين والاطفال فهو ادعاء عفا عليه الزمن وأصبح مستهلكاً لا يصدقه أحد, حيث نمتلك أسلحة متطورة تمكنا بها من اختيار أهدافنا, ولا يوجد ما يوازيها لدى الفلسطينيين الذين لو توفرت لديهم طائرات الاباتشي والطائرات بدون طيار لاختاروا أهدافاً استراتيجية ذات أهمية أبعد من مشفى اشكيلون أو كراج سديروت, لكن أسلحة القسام بدائية تعجز عن الوصول إلى أبعد من ذلك وليس لديهم من بديل آخر, في الجنوب تقوم حرب استنزاف بين الأقوياء والضعفاء, ولن تفلح الوسائل العسكرية بوقفها, إلا أن ما يؤلمنا هو أن يكون سكان النقب الغربي والبيوت والمزارع المدنية هم الضحية للعمليات العسكرية الإسرائيلية عديمةالجدوى. ومع ذلك فإننا لا نسمع صوتاً واحداً صادراً عن الجنوب بأكمله يطالب بتغيير توجهات الحكومة والسعي للتفاوض, كما لم نسمع أي احتجاج من سكان سديروت, على الرغم من أنهم من يدفع الثمن باهظاً في الوقت الذي يتعين عليهم به أن يكونوا أول المطالبين بالتغيير. ينبغي على سكان سديروت واشكيلون أيضاً أن ينظروا إلى ماوراء جدار الفصل الذي يهدف إلى حمايتهم, وسجن جيرانهم, وعليهم أن يفهموا أن الأوضاع إن بقيت سيئة لدى جيرانهم الفلسطينيين فستبقى سيئة عندهم أيضاً, وأن يعلموا أن كل عملية اغتيال ستقابلها عملية انتقام تقوم بها كتائب القسام, وأن يعلموا أيضا أنه مهما بلغ عدد الاغتيالات فلن تتحسن ظروف حياتهم, وأن الهجوم الحالي لن يؤمن لهم حياة رغيدة مستقرة دون خوف أو قلق, لذلك ينبغي عليهم أن يكونوا أول من يسعى للتغيير الذي نحتاجه. يجب أن نثق ونفهم بأن الحصار والاغتيالات والقصف والعملية الكبيرة التي نحن الآن في ذروتها كلها عديمة الجدوى, أما ما نصبو إليه بتجاوز مشكلاتنا وحل معضلاتنا, فربما يأتينا من قبل أشخاص في الجنوب يدعون إلى إجراء تغيير في توجهاتنا. |
|