تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دمشق وأول المآذن

دمشق عاصمة الثقافة
الأحد 9 / 3 / 2008
يمن سليمان عباس

من دمشق انطلقت الفتوحات العربية الاسلامية ومنها فاضت الحضارة على العالم فازدهت طليطلة وعانقت بغداد المجد وضاء نور العلم في القاهرة ونبغ الأطباء والحكماء.

ومن دمشق كانت أول المآذن الإسلامية, في كتابه الهام والجميل"مآذن دمشق تاريخ وطراز" يؤرخ الدكتور المرحوم قتيبة الشهابي لمآذن دمشق ويقف عند تاريخها.‏

تاريخ المآذن‏

تعتبر المئذنة من وجهة النظر المعمارية واحدة من العمائر الإسلامية المميزة بكتلتها وتشكيلها وزخارفها, وعلى الرغم من أهميتها كمشيدة غنية بالعناصر التكوينية والجمالية ورغم انتشارها كظاهرة عمرانية عبر الشرق والغرب لم يكتب حولها الكثير كوحدة مستقلة إنشائياً, ولم يذكرها المؤرخون إلا في سياق حديثهم عن المسجد أو الجامع.‏

لم تكن المآذن الأولى على النحو الذي نشيده اليوم, بل كانت حسب مقولات المؤرخين والباحثين استمراراً لشكل الأبراج أو الصوامع الكنسية ذات الجذوع المربعة ويعتقد كريزويل كما يعتقد بتلروتيرش استناداً إلى ما ذكره المسعودي والمقدسي والمقريزي وابن جبير وابن بطوطة وابن الفقيه أن أقدم نماذج للمآذن في سورية كانت على نسق الأبراج الكنسية المربعة التي كانت قائمة في هذه المنطقة قبل الفتح الاسلامي لها.‏

وكتب ابن بطوطة في رحلته عند حديثه عن الجامع الأموي قوله:‏

وللجامع ثلاث صوامع إحداها شرقية وهي من بناء الروم ويقصد البرج الذي اقيمت فوقه مئذنة عيسى الحالية.‏

والصومعة الثانية غربية وهي أيضاً من بناء الروم ويقصد برج مئذنة قايتباي الحالية.‏

والصومعة الثالثة شمالية من بناء المسلمين ويقصد قاعدة مئذنة العروس الحالية.‏

وكان في موضع الجامع الأموي معبد للاله (حدد) الآرامي منذ الألف الأول قبل الميلاد الذي صار معبداً رومانياً للاله (جوبيتير الدمشقي) في القرن الثالث الميلادي قبل أن يحول إلى كنيسة للقديس يوحنا المعمدان في العهد البيزنطي أواخر القرن الرابع للميلاد وثم إلى مسجد جامع في العهد الأموي, وقد استعملت أبراجه أو صوامعه قواعد وجذوعاً أقيمت فوقها مآذن حافظت على الشكل المربع الأصلي لهذه المشيدات, ومن هنا اعتبرت المآذن الأولى امتداداً لشكل الأبراج أو الصوامع.‏

وتخلص الدكتور قتيبة الشهابي إلى القول: استناداً لمقولات المؤرخين إن شكل المآذن الأولى في دمشق كانت على طراز عمارة الأبراج القديمة.‏

وهناك من يعتقد أن فكرة نشوء المآذن وقبلها الصوامع والأبراج ترجع إلى (الزيقورات الرافدية) وهي المعابد القديمة التصاعدية التي تشبه الهرم وتنتهي ذروتها بسطح مستوٍ يعرف بالحرم.‏

وكانت هذه الزيقورات منتشرة في بلاد الرافدين خلال العصور السومرية والكلدانية والآشورية ويستشهدون على ذلك بالمئذنة الملوية في سامراء.‏

وينتهي كريزويل إلى القول: نستطيع الآن أن نقول بكل ثقة إن فكرة المئذنة ظهرت في سورية في ظل الحكم الأموي وأن أول المآذن هي أبراج أركان معبد دمشق القديم وأنها أول المآذن التي بناها المسلمون معمارياً من أبراج الكنائس السورية.‏

وكانت المساجد الأولى المنشأة حتى بدايات العهد الأموي خالية من المآذن وكان الأذان يطلق من موضع مرتفع عند المسجد أو من فوق سطحه.‏

ويأتي عهد الوليد بن عبد الملك ويبدأ فيه تشييد الجامع الأموي سنة 86ه - 705م فيستغرق البناء عشر سنوات ترتفع بعدها مآذنه التي حافظت جذوعها على الشكل المربع القديم.‏

وإن تبدلت معالمها كلياً أو جزئياً في حقبٍ لاحقة.‏

واستمر تشييد المآذن في دمشق وغيرها على نفس الشكل المربع طيلة العهد الأموي ومنه انتقل إلى شمالي افريقيا والأندلس, لذلك أطلق الباحثون العرب والأجانب على هذا الطراز اسم (الطراز السوري أو المئذنة السورية).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية