تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


طائر السمرمر.. صديق دمشق

دمشق عاصمة الثقافة
الأحد 9 / 3 / 2008
هاني الخير

يقول المؤرخ الشعبي أحمد البديري الحلاق, صاحب كتاب (حوادث دمشق اليومية) بأن الجراد ظهر بأعداد هائلة في الشام سنة 1747م

بصورة شنيعة, وبدأ يزحف مثل النمل, فيأكل بشراهة الزرع ويتلف النبات في غمضة عين, فوقع الناس في كرب عظيم, فأوعز حاكم دمشق أسعد باشا العظم للفلاحين بأن تجمعه وتأتي به, وقد فرض على صاحب كل أرض قنطارين, وكذلك أمر أهالي القرى والضيع كل ضيعة شيئا معلوما يجمعونه, ثم يضعونه في جبال الصالحية في آبار ومغارات, ومن لم يأت بالمطلوب أو الكمية المقررة فعلية جزاء كذا.. (غرامة مالية)‏

إلا أن هذه الطريقة البدائىة اليدوية لم تقض على الجراد بل ازداد عدده وراح يلتهم ما يصادفه في البساتين, فأكل حتى لم يبق ولم يذر..‏

وبعد أسابيع من المعاناة جاءت البشرى إلى دمشق بأن الطير المسمى بالسمرمر قد جاء في هجرته إلى الأجواء السورية, ومر على قرية عدرا والضمير وأتلف من أسراب الجراد الشيء الكثير.‏

فابتهج أهل البلاد لا سيما أهل الشام وخرج أهل الصالحية ومعهم المشايخ والتغالبة - وهم جماعة ممن يحضرون الاحتفالات الدينية ويدقون الطبول والدفوف ويهللون, وكذلك خرج الرجال والنساء والأطفال وأطلقوا بعفوية نداءات التضرع إلى الله تعالى بدفع هذا البلاء ورفع الغلاء.‏

ويفسر لنا الراحل الدكتور جميل محفوظ أحد الرواد الأوائل في التربية وعلم النفس في سورية والوطن العربي هذه الظاهرة الفريدة المثيرة للاهتمام بما معناه: ميز العلماء بالغريزة والذكاء بقولهم بأن للفعل الغريزي هدفا ظاهرا ويصدر بصورة أكيدة ولا يفيد إلا بمصادفات سعيدة ولكنه لا يستغل الظروف, ولا يستفيد منها ويدوم مدى الحياة, وإن مؤثرات صغيرة توقظ فعالية متقطعة ومشتركة بين الأفراد من نوع واحد, وهي كاملة منذ ظهورها.‏

ويضيف الدكتور جميل محفوظ (1914-1985):والغريزة تقود في بعض الأحيان إلى أعمال ضارة بالغير,كإغارة (الزرزور) على شجر الزيتون في أثناء نضوجه ليقطف منه ما يتمكن من قطافه, بمعدل ثلاث حبات لكل إغارة ولكل (زرزور) واحدة في كل يد وواحدة في فمه ثم يقذفها بعيدا عن كروم الزيتون, دون أن يتذوقها أو يخفيها في عشه, إنه يقوم بهذه العملية الغريبة دون أي هدف نافع من وراء هذا السلوك العدواني أو هكذا يبدو لنا للوهلة الأولى, وقد يكتشف العلم والعلماء في المستقبل تفسيرا لهذه القرصنة.‏

أما عصفور (الورود) الذي أطلق عليه في الماضي اسم السمرمر فإنه عدو لدود للجراد الرهيب, فيفتك به بشراسة ويطارده بلا هوادة أينما صادفه, ويخدم الإنسان من حيث لا يدري ماذا يصنع من معروف ويبدو أن المزارعين وأهالي الريف بصورة خاصة يقدرون مساهمة هذا الطير النبيل في مكافحة الجراد وتخليص الناس من شروره, لذلك يضعون له أوعية خاصة طافحة بالماء النظيف ليشرب منها باطمئنان ودون أن يعكروا صفوه ويستعيد نشاطه المعهود في أيام القيظ, ولعل العلماء يقدمون لنا شروحات علمية عن سر العداوة التي يحملها السمرمر للجراد?! أم أن الأمر لا يتعدى ظاهرة ما يعرف بالتوازن البيئى وعدالة الطبيعة الذكية.‏

بقي أن ذكر.. بأن السيدة المتألقة فيروز سفيرتنا إلى النجوم تغني بحرارة لعصفور (الورور) في إحدى أشهر أغانيها القديمة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية