|
معاً على الطريق قلت في مقالي السابق أثبتت التجارب أن الديمقراطية المطلقة والمفتوحة بالكامل هي كارثية في العديد من الحالات, ومنها على سبيل المثال ما جرى في العراق حيث كانت النتيجة قيام برلمان مبني على أسس طائفية ومذهبية وإثنية وقبلية, نقل الاقتتال المقيت والبغيض الى ردهاته وتحت قبته. ومع النقلة النوعية التي أجراها الكويت الشقيق بالسماح للمرأة بالمشاركة في العملية الانتخابية ترشيحا وانتخابا إلا أن النتائج أظهرت فشل المرأة في الحصول على مقعد واحد, وكان هذا أمراً طبيعياً في خضم مجتمع ذكوري قبلي متعصب, وبالتالي ألم يكن نظام (الكوتا) أكثر فاعلية لو أنه طبق في الكويت?. والسبب الداعي لهذا الاقتباس هو ما جرى خلال الأسبوع الماضي حول التجربة الديمقراطية في هذين البلدين الشقيقين, فبعد خروج كتلة أو حزب الفضيلة الإسلامي من لائحة الائتلاف العراقي الموحد, أخذ البرلمان العراقي في التفكك والتداعي, وهذا أمر شبه حتمي تجاه هذا النوع الأعرج من الديمقراطية الذي فرضته أميركا قسرا على العراقيين وأكرهتهم على قبوله موهمة إياهم والعالم بنوع من التشدق المتعجرف الفظ بأن العراق الجديد سيكون مثالا يحتذى في الشرق الأوسط الكبير أو الجديد أو المبهم أو المتفكك. أما بالنسبة للكويت الشقيق فلقد ورد ذكره في بعض الفضائيات العربية وفي العديد من الفضائيات الأجنبية بمناسبة عيد المرأة العالمي, وكان جوهر المسألة يتركز حول تقديم التحية للكويت للخطوة التي اتخذها بإعطاء المرأة حقها في الترشيح والانتخاب والاستغراب في الوقت نفسه من عدم تمثل نصف المجتمع الكويتي بامرأة واحدة على الأقل في البرلمان, الأمر الذي يؤكد ما ذهبت إليه من ضرورة تطبيق نظام الكوتا. أكدت في العديد من المقالات على أن الديمقراطية ليست هبة من السماء ولا تأتي عبر مراسيم أو قرارات أو هبات مهما علا شأن مصدريها, بل هي معايشة يومية وتوسيع مستمر لشيء اسمه رقعة الهوامش. وإذا كانت الديمقراطية تمثل وجها من أوجه الحرية فكيف يمكن أن نمارسها ولو بشكل ضئيل من الجدارة أو اللياقة وقد مورس القمع علينا منذ نعومة أظفارنا, في الأسرة والعائلة والعشيرة والقبيلة وفي كل مناحي الحياة, فهل يمكن أن نتخلص في أعماقنا من كل ذلك وأن نمارس الديمقراطية بحرية? لا أريد أن أتحدث عن الاستحقاق النيابي القادم بشكل مثالي أو طوباوي, بمعنى شكل تصوراتنا الافتراضية النموذجية حول بنية المجلس القادم, ولا أريد في الوقت نفسه أن أتحدث عنه بنوع من السوداوية والعدمية, فهو يبقى بكافة الأحوال أمرا لا بد منه سواء شئنا أم أبينا, ولا يمكن التحدث عنه بأي شكل من الأشكال على أنه بات أمرا لا يعني شرائح لا يستهان بها من الشعب. لابد من الاعتراف بشجاعة أن ثمة نوعاً من العزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية سواء من حيث الترشيح أم الانتخاب, ويرجع ذلك لسببين: الأول له علاقة بحالة التردي العام في العالمين العربي والإسلامي, أما الثاني فله علاقة بشؤون محلية. بالنسبة للعامل الأول فإن مجمل الفظاعات التي ارتكبتها كل من أميركا والكيان الصهيوني لم تلق لو قليلاً مما يستحق ويستوجب من احتجاجات ومناهضات في الشارع, حتى هدم المسجد الأقصى لم يعد قضية تحرك الشارع, فالشارع العربي والإسلامي بات شبه ميت أو مستكين, جراء الخيبات المتواصلة, واكتفى برفع أمره إلى الله واقتصر على إدانته للنظام الرسمي العربي والإسلامي بقضه وقضيته من دون تفريق أو تمييز. أما فيما يخص الجانب المحلي فيمكن القول ان مجالس الشعب السابقة أنها لم تكن على مستوى التحديات الصعبة والخطرة التي مر بها الوطن . ويمكن القول إن مجلس الشعب السابق لم يكن مهيأ أصلاً لمجابهة ما كانت ستأتي به الأيام الحبلى بكل عظيم من الأمور. و إذ يبدأ الغزل الأميركي بالجلوس مع سورية وإيران على طاولة واحدة في مؤتمر بغداد وإرسال شخصية دبلوماسية رفيعة المستوى إلى دمشق وبداية الغزل الأوروبي بإرسال خافيير سولانا إلى دمشق لا يعني أن سورية باتت خارج دائرة الخطر فالمخفي أعظم والقادم من الأمور لا يمكن التكهن به. فوليد جنبلاط الذي لم يحصل على تأشيرة دخول عادية للولايات المتحدة قبل انقلابه المزري على المقاومة يستدعى إليها فجأة ويستقبله رئيس جمهوريتها ونائبه ووزيرة خارجيته وحشد من الشخصيات العلنية والسرية, ثم يستقبل ممثلين عن عبد الحليم خدام وصدر الدين البيانوني, ويعلن جهاراً نهاراً وبنوع من قلة الحياء التي عز نظيرها أنه بحاجة لدعم أميركي لإسقاط النظام في سورية, وإيهود أولمرت يتحدث عن حرب قادمة مع سورية وحزب الله ويطالب الإدارة الأميركية بمليار دولار إضافية لمواجهة هذه المستحقات العدوانية الجديدة. لا نطالب بأن يكون مجلس الشعب القادم حربياً لكن نفترض ألا يكون تحت قبته أشباه أميين, فمواصفات القادم الجديد إلى البرلمان يجب أن تكون دقيقة ومحددة بعناية فائقة, نريده أولاً أن يكون وطنياً غيوراً ليس بمعنى أن يرتعش عند ترديده لنشيد حماة الديار عليكم سلام, بل أن يعرف كيف يعمل ليدرأ عن الوطن مجموعة المخاطر المحتملة, فلقد آن الأوان لأن يوضع حد لهذا البازار السياسي الذي يقوم على تسويق مجموعة من المستوزرين والمستأنبين والمستنصبين والمتدبلسين, فحين يكون عدد الذين يحق لهم الترشيح بحدود خمسة ملايين فهذا يعني أن لنا الحرية في اختيار واحد من عشرين ألفاً لكل مرشح, الأمر الذي يتيح لنا حق الاختيار والتنقيب والتفنيد والتمحيص. وتبقى المشكلة ليس في إطار الكوتا ولكن في فاعلية آلياتها, فمن يرشح نفسه عن العمال والفلاحين يجب أن تكون له وشيجة حقيقية معهم, ولم يعد مقبولاً الاكتفاء بالشعارات والبرامج بل لابد من بحث الآليات الدقيقة والواضحة لتنفيذ تلك البرامج, فلم يعد مقبولاً أن يرفع أحدهم في برنامجه الانتخابي شعار مكافحة البطالة من دون أن يعطينا خطته التفصيلية الدقيقة للتخفيف الجزئي من حجم البطالة, وأتمنى أن يرشح أحدهم نفسه عبر مخطط تنفيذي واقعي لإعادة تأهيل نهر بردى. بقي علينا أخيراً أن نعول على ضمير المرشحين, بمعنى أن لا يرشح من يشعر بعدم الأهلية نفسه للانتخابات ضمن هذه الظروف الصعبة والمعقدة, فمن يجمل نفسه ويسوقها للانتخابات بنوع من الوجاهة عليه أن يعرف أن ثمة آليات عبر الانترنت قادرة على كشف مؤهلاته وماضيه, وهو في غنى عن الفضائح. وآخر ما نتمناه في هذا الصدد ألا يعمد بعضهم إلى (طلس) المدينة باليافطات الانتخابية على حساب أناس غير قادرين على تأمين بضعة يافطات فقيام مثل هذا الأمر هو التفاوت الطبقي بعينه, وحبذا لو يجري حصر اليافطات جميعاً في ساحات محددة. |
|