|
الثلاثاء 8-10-2013 بضعة فتية في عشرينيات أعمارهم كانوا قد ملؤوا يوم عطلتهم الدراسية مرحاً وأملاً، وانساقوا وهم يغادرون المنتزه الصيفي إلى حديث الساعة، أكبرهم سناً ومعرفة (والجامعي الوحيد بينهم) يحكي بثقة عن الحرب القادمة قريباً، دون أن يوافقه معظمهم على رأيه، لكن الحياء من ثقافته الواسعة حال دون أن يقولوا ما في نفوسهم مكتفين ببضع استفسارات تحاول إخفاء تشككها خلف أسئلة متلاحقة. تحدث عن انجاز الاستعدادات للحرب، وعن اكتمال شبكة الدفاع الجوي، وكرر ما تحدثت به الإذاعات عن قوات تم نقلها إلى خط الجبهة، وعن الوضع العالمي.. كان حديثه متماسكاً ومقنعاً.لكن شيئاً ما كان يحول دون رسوخه في قناعاتهم..ومنه سؤال كبير: - كيف لحرب يتحدث عنها الجميع أن تحدث؟..فالحرب التي عرفوها قبل ست سنوات كانت مفاجئة رغم كل ما سبقها.. كان اليوم التالي خريفياً دافئاً، ما إن انتصف نهاره حتى ُطلب منهم مغادرة المدرسة إلى بيوتهم، أدهشهم مشهد الشاحنات العسكرية العملاقة المحملة بالأسرّة تقف أمام مدارسهم لتحولها بوقت قياسي إلى مستشفيات، ثم أدهشتهم أكوام أكياس الطحين المكدسة بجانب الأفران وكأنها تقول للناس ألا خوف على خبزكم، وراقبوا بمتعة رجال الشرطة العسكرية بخوذهم القتالية الحمراء وهم ينظمون السير في الشوارع.. عند الساعة الثانية ظهراً دوى هدير طائرة حربية تعبر سماء المدينة نحو الجبهة فسارعوا للأقرب بين منازلهم وبعد ربع ساعة كانوا يستمعون بكل حواسهم إلى إذاعة دمشق تعلن بداية الحرب..ولم يستطع أحدٌ منهم بعد ذلك وصف مشاعره في تلك اللحظة.. منذ تلك اللحظة صارت البلاغات العسكرية رفيق يومهم، ومعها أصوات فيروز وسلوى مدحت وماري جبران.و أغنيات (خطة قدمكم) و(كم لنا من ميسلون) و(جيشنا الغالي المفدى).. و(اسكتشات) الرحابنة التي تغني للحب والأمان فيما الحرب على مسافة ساعات منهم ..أجل إنها الحرب التي تمنوها واستبعدوها، أرادوها لأجل استرداد الأرض، وقبل ذلك لأجل استعادة الكرامة والانتصار على الوهن والشك.أقلقهم أن أخبار يوم القتال الأول لم تتحدث عن تدمير مطارات العدو، استهجنوا بحكم عمرهم وانتمائهم أن هذا لم يحصل، فطيران العدو سر انتصاراته وهزائمنا، فكيف نتركه بحاله؟.. كان اليوم الثاني يحمل لهم الجواب والمفاجأة، لم يكونوا بحاجة لسماع الإذاعة كي يعرفوا ما الذي يحصل، فقد شاهدوا بأعينهم كيف تطارد الصواريخ طائرات العدو فتحيلها إلى كتل من اللهب في عمق السماء، وسط تهليل وتصفيق الناس الذين اعتلوا أسطحة البيوت، لا يعبر إلى نفوسهم أقل قدر من الخوف.. التقوا بعد انتهاء العمليات القتالية بأصدقاء وأقارب شاركوا بالقتال، حدثوهم باستفاضة عن كل ما حدث معهم، وكانوا بدورهم يطلبون المزيد، لأشهر طويلة لم يكن هناك حديث إلا الحرب وما جرى فيها، تجمعت التفاصيل الصغيرة الكثيرة في مخيلاتهم لتصنع صورة عملاقة شامخة لتلك الأيام التي لا تنسى..ولكن السؤال الأول لم يبرح تفكيرهم: - كيف لحرب يعلم كثيرون بأمرها أن تكون مفاجأة؟.. قرؤوا في السنوات التالية عن عملية التمويه الكبيرة التي أريد منها تضليل العدو، ولكنهم قرؤوا أيضاً عن التقارير التي أعدتها أجهزة مخابراته عن الحرب التي تحضر لها سورية ومصر.وعن تحذير بعض العرب لقادة العدو منها.. وكان عليهم أن يستنتجوا بعد ذلك أن المفاجأة لم تكن بالحرب بحد ذاتها، وإنما بالأبطال الذين خاضوها فدمروا أول ما دمروا الصورة البائسة التي حاول العدو وحلفاؤه على مدى عقود طويلة إلباسهم إياها.. WWW.facebook.com/saad.alkassem |
|