تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القريتين ..الجغرافيا الاستراتيجية

متابعات سياسية
الأربعاء 6-4-2016
بقلم الدكتور فايز عز الدين

الحروب التي عرفها التاريخ الإنساني ربما تسببت من عاملين أو أحدهما: العامل الداخلي، والعامل الخارجي؛ أو تبدأ من عامل منهما لتنتهي بالآخر وليبقى السؤال دوماً عن المستثمر من وراء الحروب، ومقدار نشوبها في مصلحة الشعب أو مصلحة غيره من قوى الارتباط الداخلي، بالخارج العراب والمموّل.

ومنذ اللحظة الأولى لما حدث في سورية لم تقبل الجماهير الوطنية بأن المعادلات الحاكمة في الداخل، أصبحت من الاحتقان، والتراكم الضّدي إلى الدرجة التي تتسبب بنشوب صراع مسلّح داخلي، من منظور أن الأيدي الخارجية كانت واضحة الحضور، والعمالة، واللاوطنية عند الأدوات كانت مكشوفة بأهدافها التخريبية وبمشروعها التفكيكي المرسوم في الخارج ولا ينقصه إلا توفير بيئة العبور إلى الداخل، وقد اختيرت له ذريعة الديمقراطية، وحقوق الإنسان، واستبداد السلطة.‏

وحتى تتم عملية ذر الرماد في العيون التي جُنِّدَتْ لها ميديا دولية كاملة تعهدتها السعودية، ومن تشتري ذممهم بالبترودولار صار الادعاء بالسلمية، والخوف من التدخّل الخارجي حجّةً تسوغ لأدوات المؤامرة على سورية ما يجري لتكتشف جماهيرُنا بالوقت القصير هذه الكذبة حيث لم يكن المخطط لسورية، وما يجب أن يحصل فيها لا سلمياً، ولا داخلياً بل كان من الحلف الأمرو صهيو أورو أعرابي والأدلةّ لم تعد تحوج أحداً لكي تُستجلى الصورة على حقيقتها. وتأكيداً لهذه الأطروحة نقول: لماذا حين شعر الحلف المعادي بأن الدولة متماسكة،وشعبها لم ينفضّ عنها، وجيشها حماها ولن ينقسم كما كانوا يحلمون أخذت المعركة على سورية وجهة الإرهاب الدولي حيث ضخّ النادي الدولي المعادي لسورية بتمويل من السعودية، وقطر، وتسهيلٍ من تركيا وإسرائيل والأردن أكثر من /380/ألف إرهابي إلى الأرض السورية، وتعهدهم حلف الأطلسي بأن يؤمّن لهم غرف العمليات، ويحمي تقدّمهم إلى المناطق، والمدن السورية، وفتح لهم أردوغان حدود تركيا لتهريب البترول وكافة المسروقات من سورية وبما فيها المصانع، واتُّبِعَتْ سياسة التغطية للإرهاب بمصطلح المعارضة المعتدلة المسلحة، ومع ذلك هذه التسمية لم تمنح المسلحين سمة المعارضة عند السوريين، ولاحقاً امتدّ هؤلاء المسلحون المعتدلون إلى خارج الحدود السورية ليضربوا في أوروبا، وأميركا، وأفريقيا. وبعد أن شعر الحلف المعادي لسورية بأن القوى الإرهابية أعلنت عن ارتباطها بالقاعدة، وصارت باسم داعش، والنصرة، وكافة المسميات تطرح خطاب التكفير، والقتل، والتهجير، وحدث في العراق ما حدث، وبسورية كذلك، واستطال الحال إلى تركيا، وأوروبا، وأميركا، وبالمقابل ظهر تماسك الدولة السورية بصورة متصاعدة، والرابطة الوطنية بين الدولة، والشعب، والجيش استطاعت أن توفّر الحلفاء الأصدقاء الذين لم يقبلوا باستثمار الإرهاب الدولي حتى تتم عملية تدمير سورية جيوتاريخياً، وتهديد الأمن الإقليمي، وكذلك الدولي.‏

وصار الحلف المساند لسورية من روسيا، وإيران، وحزب الله، والشرفاء العرب يمثل الجبهة الأقوى، وبجهوده العسكرية تغيرت خارطة المعركة الإرهابية على الأرض السورية وشرعتْ الاستراتيجية العسكرية تتبدّل لتغدو المبادرة على الأرض للجيش السوري ومسانديه، وظهرت في المعارك قدرة الجيش السوري وحلفائه حيث تجلّتْ انهيارات الإرهابيين واضحة، وهروبهم من كل منطقة تقدّم الجيش لها، ولم تعد القوة التي يملكونها تشكل لهم أي أمل بالبقاء في المناطق التي احتلوها. وبدأ مسلسل التقدم والنصر لسورية، وقد جاء جنيف3 ضمن هذه الأجواء ليرى الشعب كيف أُصدرت الأوامر للذين يدّعون تمثيله للخارج حتى يرفعوا سقوف المطالبة بصورة تخرّب مندرجات القرار 2254 الذي انعقد حوار جنيف3 على أساسه. والأمر الذي جعل الجغرافيا السياسية من ناحية الحرب على الإرهاب تقبل بوقف الأعمال العدائية، على أن لا يشمل هذا الموقف إرهاب داعش والنصرة ومَنْ لم يترك السلاح، ومن ثم تشتدّ حدّة الجبهات التي يخوضها الجيش من أجل طرد الإرهابيين المقصودين من المدن، والمناطق هو المبدأ الذي كرّسته سورية حقيقةً دامغة وصار المجتمع الدولي ومعه حلف الأعداء لا يستطيعون استبعاده أن أيَّ حلٍّ سياسي بوجود الإرهاب مستحيل.‏

ومواصلة الغرب المتصهين تجاهلَ مندرجات القرار 2253 الذي يمنع ممولي الإرهاب من استمرار دعمهم لن يساهم بنجاح الحل السياسي. وسياسة عدم احترام الحقوق السيادية للشعب السوري وفرض نظامٍ للعملاء عليه لن تُفتح لها الأبواب. وافتراض الغرب بأن سورية ليست دولة قوية تمارس سيادتها، وتعرف ما الذي سيحصل لها بالمستقبل القريب افتراض خاطئ ولذا فقد تمّ تحديد موعد انتخابات مجلس الشعب وفق الموعد الدستوري دون ربط هذا الاستحقاق بأي متعلّق كان. وحين يأتي تحرير تدمر، وبعده مباشرة: القريتين، ومن ثم تظهر للعالم قدرة الجيش السوري التي استنطقت الكثيرين من بلدان حلف الأعداء ليعبّروا عن قناعتم بأن الجيش السوري هو القوة الوحيدة المؤهلة لقتال الإرهابيين والقضاء عليهم ولا بد من التعاون معه، والانضمام إلى معركته ضدهم ستكون الجغرافيا السياسية في سورية قد تحرّكت عناصرها، وحيثياتها لمصلحة سورية الدولة القوية المنتصرة التي عرفت معركتها بالأساس مع مَنْ.‏

وها هو العالم يعود إلى هذه المعرفة. وفي الاستراتيجية العسكرية كما في الاستراتيجية السياسية يظهر دوماً عنصر القيادة، وذكاء إدارة المعركة في مقدمة كل نصر، وبناء عليه فإن الوطنية السورية التي تتحرك مع كل نصر لتعلن للعالم أن السوريين في جبهة واحدة مع جيشهم، ودولتهم يطاردون فُلول الإرهاب، ويبنون الأطر اللازمة للانتصار الكامل والمبادرة الجيواستراتيجية أصبحت بأيديهم، وهم كل يوم سينتقلون من مدينة إلى أخرى محققين نصرهم على الإرهاب، وأيديهم ممدودة لكل عملية سياسية تحقن الدماء وتهزم مشاريع الأعداء، والحكمة دوماً: أن لا تقف الجبهات المقاومة للإرهاب، ولا الساعية للحل السياسي، فكل تقدّمٍ هنا سينعكس نجاحاً هناك وخلاصاً للوطن الموحد أرضاً وشعباً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية