|
ثقافة جدنا زهير بن أبي سلمى، اعتذر من الزمن.. وأقام دعواه الشعرية العميقة على الضجر: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً- لا أبالك- يسأم حنا مينه تجاوز الثمانين وسئم جسده المستقيل من دروس النشاط والألفة المورقة، كحديقة بيت على مدخل غابة.. وتضجر أكثر، حين وجد مطالب روحه جمة، وافرة، جميلة، صعبة، تعسفية، وراقية، عشقية،
وإنسانية.. ذاتية، وعائلية ووطنية، ووجد جسده منهكاً معتزلاً فن السطوع والرجاء والرخاء.. / العجقة/ والقسوة في كثرة حضور الروح الباذخة، وقلة حضور الجسد، بكل مفردات الألق واشتقاقات الاشتهاء والارتواء والبهاء.. ليس بوسع كاتب فحل الكتابة واسع القص والحكايات والآمال أن يكون باكي الجسد، قليل الهمة.. ضعيف الرهافة والترحيب.. حنا مينه من أجمل أصدقاء الكلمات والعواطف، والملامح الرحمانية.. ومن أبسط وأعز الكرماء والوطنيين.. وعاشق بديع التعابير والتدابير والكرم العشقي وملحقاته.. عاش الفقر مرحلة تلو مرحلة، وتذوق القهر بكل/ مازاته/و/مقبلاته/ و/وجباته/ الدسمة، القاتلة،، وتذوق أكثر ماتذوق الفراقات والخيبات والفقد.. تركض الطفولة في جراحات عمره، وتموت وتحيا بساتين الأيام كما تحيا الغيوم، إذ تسافر في أحلامها أوجاع الأرض والعناقات الوجيعة والحميمية.. ليس في حنا مينه، الآن ما يشبه حنا مينه سوى الفاقة والجسد المتقشف بالقدرة والقوام.. ماهذا الجسد، الذي ينذر بالغياب آلاف المرات، قبل أن يكون؟! وما هذا الجسد الذي صادفه حنا مينه وروحه تسعين عاماً، على الحلوة والمرة.. الضنك والفرح.. الشدة والرخاء.. وفي لحظة حرجة تخونه؟! تخونه الأصابع، التي احترفت الامساك بالقلم؟! ألم يقل الشاعر البطل أسامة بن منقذ: واعجب لعجز يد عن حملها قلما من بعد طعن القنا في لبة الأسد؟ والمتنبي وهو صديق صدوق لـ حنا مينه، وللبطولة في الحلم والألم والأمل والتوجس من فعلة الزمن: آلة العيش صحة وشباب فإن هما وليّا عن المرء ولىّ أبداً تسترد ماتهب الدنيا فياليت جودها كان بخلا وإذا الشيخ قال: أف فما مل حياة وإنما الضعف ملّ محمد الماغوط الصديق الراحل، فيما بعد.. قال لي في حوار تلفزيوني وصحفي طويل:/ أكبر خطأ ارتكبته، في حياتي أنني تقدمت في العمر/ هذه المقولة قالها الماغوط قبل غيابه بأكثر من عشرين عاماً.. حنا مينه الكبير.. الحميم.. الطفل.. العاشق: الصبور على الحرف والحزن.. ؛كل هذه الخصائل والخصائص والكرامات لم تجعل جسده يتأنق معه ويتألق من أجله.. بل يخونه كل لحظة.. وتخونه قبلات الشفتين أمام الشفتين، وتخونه الضحكات والكلمات أمام العينين.. ويخونه صوته أمام الحكي.. وتخونه المرحبات أمام اليدين... جسد يخون عبقرياً.. يتآمر مع الضعف على القوى... ويتهرب من متطلبات وضرائب ليست كبيرة أو مرهقة: قبلة عشق في آخر المشوار.. هل بالإمكان؟! جسد حنا يعتذر عن أبسط الأفراح، وأصغر اللذات.. يعلنها على الملأ أنا جسد حنا مينا أقفلت باب الزمان على الزمان وأغلقت باب التعارفات الجميلة على أية امرأة جميلة.. وأعلن موت العديد من البيانات الختامية قبل الختامات العليلة؟! |
|