|
إضاءات تأسست وزارة الثقافة عندنا في خضم الحراك القومي التحرري النهضوي الذي ساهمت في إطلاقه الحركات والقوى السياسية والاجتماعية المتنورة أواسط القرن الماضي، وكان من بعض تجلياته قيام دولة الوحدة بين سورية ومصر تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر،لمواجهة التحديات الداخلية والأخطار الخارجية التي كانت تهدد سورية في تلك الأيام، ولتلبية مطلب شعبي عارم عبر عنه البرلمان السوري أولاَ، ثم استفتاء شعبي تاريخي. وبعد أشهر قليلة من قيام«الجمهورية العربية المتحدة» عرفت سورية لأول مرة وزارة الثقافة كتعبير عن المفهوم الفكري لدولة الوحدة،وعن مشروعها في بناء الإنسان. وقد تبع ذلك عمل كبير وطموح لدعم النشاط الثقافي بأوجهه المختلفة، وإقامة المؤسسات الراعية له. بعد ست وخمسين سنة من إنشاء وزارة الثقافة يمكن الحديث عن مرحلتين أساسيتين في تاريخها:مرحلة التأسيس بين عامي 1958 و1961، ومرحلة الازدهار التي عبرت عنها المقولة الشهيرة للرئيس حافظ الأسد: «الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية»، والتي تجسدت واقعاً عملياً خلال فترة تولي الدكتورة نجاح العطار مسؤولية وزارة الثقافة (بين عامي 1976 و2000). ففي هذه المرحلة أقيمت القاعدة الأساسية للمؤسسة الثقافية السورية وفي مقدمتها المكتبة الوطنية (مكتبة الأسد) لحفظ التراث الكتابي وتغذيته، و«دار الأسد للثقافة والفنون» لاحتضان النشاط المسرحي والموسيقي، كما تم التأسيس للمدينة السينمائية، وإنجاز الخطوات الأولى لإقامة متحف الفن التشكيلي، إضافة لاستملاك «صالة الشعب» لمصلحة «نقابة الفنون الجميلة»، وإقامة عدد كبير من المتاحف والمراكز الثقافية في جميع المناطق السورية. وفي المقابل شهد العمل الثقافي في تلك المرحلة حيوية لافتة للتقدير،فتم تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية، والمعهد العالي للموسيقا، ومن ثم الفرقة السيمفونية الوطنية، وبلغت مديرية التأليف والترجمة في الوزارة مكانة مرموقة محلياَ وعربياَ بفعل إصداراتها الثرية والرحبة والتي شملت الكتب الفكرية والثقافية،والفنون والآداب ودواوين كبار الشعراء، وسلاسل حوارات النهضة، وروائع الأدب العالمي. وتزامن ذلك مع إصدار مجموعة مجلات فصلية متخصصة (الحياة المسرحية وأخواتها)، وبلغ المعرض السنوي للفن التشكيلي سقفاً مرتفعاً يترجم نهضة الفنون التشكيلية في سورية، وتلاه إحداث «بينالي المحبة»، وأقيم مهرجانا دمشق المسرحي والسينمائي كحدثين ثقافيين واسعي الأهمية والتأثير، وجالت معارض الآثار السورية مدناً مهمة في العالم محاطة باهتمام وحفاوة تجلت في عدد الزوار الكبير، وفي صداها الثقافي والإعلامي. يبدو هذا الإرث المجيد، بكل ما يمثله من انفتاح على الثقافة والعصر، نقيضاً للمفاهيم الظلامية المنغلقة التي تسعى جهات عدة لنشرها في بلادنا. واحتفال وزارة الثقافة اليوم بهذا الإرث إنما هو إعلان انتماء له، وتصميم على استمرار النهج الذي يحظى باهتمام شخصي من السيد الرئيس بشار الأسد، وعناية حكومية متمثلة برعاية الدكتور وائل الحلقي للاحتفالية، وهو ما تم التأكيد عليه في كلمة السيد عصام خليل وزير الثقافة خلالها. بل إن شكل الاحتفالية ذاتها يؤكد هذا الأمر، فقد افتتحت في أبهاء«دار الأسد للثقافة والفنون» بعرض لأطفال مدرسة الباليه، ومشهد مسرحي ومعرض تشكيلي، وآخر سينمائي، ثم بحفل موسيقي متقن في القاعة الأساسية لدار الأوبرا. احتفالية يوم الثقافة، كانت جديرة باسمها،وكانت رغم تكثيف الزمن، قادرة على إيصال مقولتها بجمال وأناقة، وقد نجح المخرج الدكتور تامر العربيد وفريق عمله بمنح الحضور وقتاً ممتعاً راقياً، بدءاً من الدقيقة والنصف التي قدم فيها أطفال مدرسة الباليه عرضاً مبهجاً وصفته واحدة من الحضور بأنه ومضة أمل في زمن صعب،مروراً بالتوليفة المسرحية المستوحاة من مسرحية سعد الله ونوس عن أبي خليل القباني والتي (عصرنها) المخرج بما يتناسب مع راهن زمننا ليؤكد فكرة التمسك بالأمل، إلى الحفل الموسيقي الرائع بمختاراته وأداء فرقه التي تتالت على خشبة المسرح : « أوركسترا طلاب معهد صلحي الوادي»، ثم « أوركسترا طلاب المعهد العالي للموسيقا»، ثم توجته « الأوركسترا السيمفونية الوطنية».. في يوم الثقافة كنا مع احتفالية جديرة بالمشاهدة..وجديرة بأن تصبح تقليداً سنوياً. |
|