|
الافتتاحية حيث جاءت لتؤكد المؤكد, لكنها من جانب آخر تفتح على الأقل الحديث بجدية عن جذور تلك العلاقة التي تعكس فهماً -ربما أوسع- لمعطيات التحالف الأميركي المعلن. في جذر الفهم كان متاحاً ملاحظة ذلك التقاطع في المهمات والوظائف، وهذا التطابق في الأجندات والأهداف بين الإرهاب بوصفه أداة لمشروع أميركي بهويته الإسرائيلية، وبين المصالح الغربية عموماً بمواصفاتها الاستعمارية، وذلك منذ لحظة إطلاق يد التنظيمات الإرهابية في سورية ودعمها, وتوريد عشرات الآلاف من المرتزقة للانضمام إلى صفوفها جماعات وفرادى. غير أن الإخراج الذي تباين بين أدوات المشروع المستحدثة، حاول أن يضيف الكثير من الضبابية على الصورة التي أُدرجت تباعاً، وبمفاهيم عائمة ومتغيّرة في المشهد استدعت في أحيان كثيرة الخلط المتعمّد بين النتائج والأهداف، وتسلّقت على مجموعة من الشعارات النفعية ذات الصبغة التصديرية لخلط الأوراق، بما في ذلك الإيحاء بمتاعب تواجه الإدارة الأميركية في ربط خيوط أدواتها المختلفة بالتنظيمات التي ترعاها. وجاء ظهور داعش في التوقيت والمضمون ليزيد الخلط ويقلب في بعض الأحيان الحسابات والمعادلات الجزئية لبعض الدول الوظيفية في المنطقة، التي تداعت سريعاً إلى إعادة تدوير زوايا وجودها الوظيفي لتتوافق مع محددات الدور وتقاسم مراكز ارتباط إضافية بالحلقات الأوروبية، لتكون عوناً لها في حال أحجم الأميركي عن الأخذ بتموضعها الجديد. اللافت أن داعش كان يتجاوز باستمرار السياق الذي أنتجه، لكنه لم يعلن الخصومة ولا التحدي بقدر ما ذهب بعيداً في ترجمة ما تقتضيه مهمته الوظيفية، بحيث يكون ورقة إضافية ضاغطة باتجاه تحريك خيوط الارتباط الاستخباراتي لتكون منسجمة مع بنك الأهداف الإسرائيلي وبرعايته الكاملة، حيث الأخبار المتداولة عن اقترابه هنا أو هناك لم تُثِرْ الحفيظة الإسرائيلية، ولا استدعت استنفاراً مماثلاً لما شهدته حليفاتها من مشيخات الخليج، وتقاطعت مع ما اعتمدته تركيا في الموقف من التحالف الأميركي حين حاولت أن تناكف في الهوامش المسموح بها، وتركت فاصلاً بينها وبين داعش كي لا تضطر إلى الدخول في متاهة الحسابات من جديد. ما هو مؤكد ان داعش يجيد اتقان دوره بعد أن اكتسب زعيمه خبراته على يد الموساد، وتقمّص مهمة البيدق الغربي الذي يتلوّن في هويته، لكنه لم يغيّر اتجاهه وأهدافه، ولا الخيوط التي تربطه بمصالح وأطماع الغرب التي «تتناهى» إلى حيث تقف الرغبة الإسرائيلية، وما تستدعيها من تغييرات تكتيكية في المنحى أو الاتجاه، ليظل داعش في حركته وأنماطه جزءاً من رقعة الشطرنج الأميركية، التي تحارب عبره ومن خلاله زوايا الضعف، وتحاول أن ترمّم ما لحق بها من مشاهد قصور كادت تذهب بما تبقّى من رصيد أميركي. وما يكشفه سنودن وما ستكشفه الأيام القادمة يسجل خطوة إضافية، ويصلح قرينة على الغرب ذاته، الذي يحاول أن يعيد عقارب الساعة إلى جذر الإرهاب في المنطقة لتكون في خدمة الإسرائيلي، لكنه لا يغيّر في واقع الحال سوى أنه يجزم -في نهاية المطاف- التقاطعات القائمة ويحسم في مسائل جدل لا تعدّل في المنحى ولا في إدراك حقيقة الدور الوظيفي لكثير من المشيخات التي تحددها وتحركها وترسم إحداثيات وجودها الأصابع الإسرائيلية، بما فيها تلك الأصبع التي صنعت داعش كما صنعت من قبلها ما يوازيه ويحاكي منهجه من التنظيمات الإرهابية. |
|