تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رأي... الثقافـــة الرقميــة.. هــل أضعفــت الإبـداع..؟

ثقافة
الاحد 1-12-2019
عبد المعين محمد زيتون

لم يعد ثمة من يشكك في قدرة الإنترنت على توفير ذلك الكم الهائل واللامحدود من المعلومات، من شتى بقاع الأرض، لكن وفي الوقت نفسه، فإن هذا الإبتكار المذهل (الكمبيوتر، والإنترنيت)- له فاتورة غالية جدا!.. ويدفع قيمة هذه الفاتورة الإنسان في عصرنا الراهن، والثقافة التي وصلت إليه كمخزون تراثي بآن معا..

وبمعنى ٱخر, فإننا نحن من يدفع اليوم ثمن هذه الأداة الرهيبة! ذلك أن الحرص على تتبع وتجميع المعلومات من شتى مصادرها العالمية من خلال الإنترنت, غالبا ما يؤدي إلى تشتيت قدرة الإنسان - المتتبع ذاته - على التركيز والتفكير والتأمل, بعكس مايحدث خلال القراءة المألوفة العادية, والحصول على المعلومات من الكتاب.‏

والإشكالية هنا التي تهدد سلامة الحصول على المعلومات من خلال الإنترنت, تتمثل في تقبل عقل القارئ العادي للمعلومات كما يقدمها الكمبيوتر, أيا كانت هذه المعلومات, مشتتة وجزئية, ومتناثرة, ولاتنتمي لمسار دقيق محكم.‏

ترى هل هذا التشتت يرافق العقل والتفكير دائما, أم إنه سمة تتزامن أثناء تلقي المعلومات من الإنترنت؟! وهل بإمكاننا أن نتنكر لغياب العمق والتفكير والمراجعة المتأنية والنقد وتناول المعلومة على علاتها والاكتفاء - في أغلب الأوقات - بالقشور التي تطفو أمامنا على الشاشة، لأن ذلك يتفق ويتواءم مع طبيعة الآلة (الكمبيوتر), التي تقع بين أيدينا؟!‏

ونعتقد - هنا - أن ثقافة الإنترنت والكمبيوتر, ثقافة من نوع آخر, إذا لم نقل ثقافة غير طبيعية!! فسمة هذه الثقافة الخطرة, تتمثل في سطوتها وتملكها للقارئ العادي، لأنها تملؤه إحساسا وشعورا بالفردية، وتسقط لديه قيمة المناهل الأخرى والأهم للثقافة والمعرفة, بما فيها الكتاب, والمؤسسات الثقافية والمنابر التقليدية, كما تسقط من ذهنه, الفروقات والتنوعات الثقافية الجزئية, التي تمنح الثقافات المحلية الوطنية والقومية، خصوصياتها المميزة، فثقافة (النت), ثقافة عولمية, كوكبية, عناصرها تتألف بجملتها من خليط لامحدود، يرى العالم ككتلة بشرية واحدة.‏

وإذا كان من الصحيح، أنها تتمتع - (ثقافة النت) - بإمكانات هائلة من الانتشار والوصول إلى كل أجزاء الأرض بفضل التكنولوجيات الإلكترونية الحديثة، وبالقدرة الفائقة على إعادة ترتيب عناصرها وتوزيعها بأشكال متعددة، ما يعطي الانطباع الخاطئ بالابتكار والإبداع والأصالة، إلا أنه من الصحيح أيضا، أن هذه القدرة نفسها قد تعتبر دليلا ٱخر على ضعف بنائها، لأنها تسمح بنقل الثقافات الوطنية والقومية إلى المجال العالمي الواسع, وتتيح لها فرصة التعرف والامتزاج بالثقافات المجهولة التي تتمتع بقدر كبير من الثراء والغنى, وكأنها تزيل الفجوات التقليدية البائنة بين مايعرف بالثقافة الشعبية (الدنيا), والثقافة العليا التي يرتبط مفهومها عادة، بالثقافات المعرفية العالية، وهي ثقافة الصف الأول وطبقة الصفوة, وأساليب عيشهم وأساليب تفكيرهم!‏

إن هذه السمات والخصائص لثقافة (النت), تدفع بنا للسؤال المهم التالي: هل يمكننا أن نرى في المستقبل القريب أن هذه الثقافة ستصنع حالة وسيطة تسهم في التفاعل والتقارب بين المجموعات البشرية المختلفة والمتنوعة والمتباينة ثقافيا على امتداد الأرض؟!! وهل يمكنها، أن تصنع هوية مشتركة لوحدة فكرية بشرية تتشارك في صناعتها كل الجماعات البشرية على السواء؟! أسئلة قد نملك أطياف إجابتها الآن.. لكن انتظار الأجوبة الحقيقية يتطلب بالتأكيد المزيد من البحث والتمهل باستلهام الحقائق الموضوعية التي لاتقبل الجدل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية