تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الجوع أكبر منها .. والفقر يسبقها مقررات الفاو مخيبة للآمال والجائعون لايملكون ترف الانتظار

أخبار
الأحد 8/6/2008
علي محمود جديد

لم تحظَ الفاو بمشاعر الخيبة , وتلاشي الآمال , فقط بعد انتهاء قمة الغذاء العالمية التي انعقدت مؤخراً في المقر ( الروماني ) لهذه المنظمة , بل إنّ هذه المشاعر وهذا التلاشي كان قد بدأ في الظهور قبل انعقاد هذه القمة ,

وذلك إزاء التدهور الذي يشهده العالم على صعيد الغذاء لجهة تناقصه الشديد من ناحية , وارتفاع أسعاره المخيف من ناحية ثانية , الأمر الذي حدا بالكثيرين , وبمنظمات دولية - البنك وصندوق النقد الدوليين - إلى التحذير المتشائم من ظهور حالات مخيفة , يمكن أن تحملها الأيام القادمة , ناجمة عن المآسي والفقر والجوع , ماقد يؤدي إلى نشوب الكثير من الحروب , حيث رأى البنك الدولي بأنَّ الجائعين لايملكون ترف الانتظار , ومع اقتراب انعقاد قمة الغذاء , بدأت الانتقادات اللاذعة تنهال على الفاو , في الوقت الذي عززت فيه النتائج الهشة للقمة العالمية هذه الانتقادات أكثر .‏

فقبل انعقاد القمة دعا الرئيس السنغالي عبد الله واد , في مطلع مايو/ أيار الماضي إلى إلغاء منظمة الفاو التي رأى أن وجودها » تبذير للأموال«, معتبرا أن الأزمة الغذائية العالمية الحالية تشكل فشلا كبيرا لها‏

وقال واد » على الرغم من كل مؤهلات مديرها العام نشكك في مؤسسة الفاو.. الوضع الحالي هو فشلها الرئيسي«. وأشار إلى أن » هذه المؤسسة التي تقوم وكالات أخرى بعمل مماثل لمهامها وأكثر فاعلية تبذر أموالا تنفق على تشغيلها لعمليات فاعليتها ضئيلة جدا على الأرض«.‏

وكرر الرئيس السنغالي انتقاداته لمنظمة الأغذية والزراعة خلال انعقاد القمة , معتبرا أنها تتعامل مع الدول النامية ك»مشردين«, وعبر عن خيبة أمله في مساعدات الأمم المتحدة.‏

وفي سياق متصل , انتقدت سكرتيرة الدولة الفرنسية لحقوق الإنسان رحمة ياد منذ أيام طريقة إدارة الفاو, معتبرة أنها وبرنامج الغذاء العالمي » توظفان عددا كبيرا من الناس وتنفقان ميزانية كبيرة لتشغيلهما وهذا يعني ميزانية أقل للاستثمار«.‏

بعد ذلك جاء البيان الختامي للقمة ليزيد في الطنبور نغماً , فقد أعربت الحكومة الايطالية والفاتيكان عن مشاعر الخيبة إزاء النتائج التي أسفر عنها مؤتمر الأمن الغذائي العالمي لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) واعتبرا أنَّ الإعلان الصادر عنه » دون الآمال المعقودة«.‏

ورأت إذاعة الفاتيكان بأنَّ القمة التي خصصت للأمن الغذائي لم تفشل لكن أحدا ممن شارك فيها لم يشعر بأنها كانت ناجحة.‏

من جانبها اعتبرتْ صحيفة الفاتيكان الرسمية (أوسيرفاتورى رومانو) أن القمة شهدت كلمات غزيرة دون أي حل , كما أنها لم تعالج قضايا جوهرية مثل تقنين الأسعار في السوق الزراعية العالمية واستخدام الوقود الحيوي والمضاربات على تكاليف المواد الغذائية وكذلك التدابير اللازمة لإشراك صغار المزارعين والمجتمع المدني .‏

أما وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني , فقد اعتبر أنَّ المؤتمر شهد تأكيدات كبيرة على المبادئ وإعلانات عامة لكنه لم يشعر بالتلاحم الاجماعي الذي كان لازما إزاء مشكلة جسيمة كظاهرة تفشي الجوع في العالم .‏

وكان فراتيني - قبل ذلك - قد عبَّر بحرقة بدت أكبر من ذلك وقتما قال :‏

إن البيان الختامي الصادر عن قمة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) » مخيب للآمال , مشيراً إلى أنَّ هذا البيان « تم وبكل أسف تخفيف لهجته كثيرا قياسا بالطموحات الأولية .‏

واعرب فراتيني عن » قلقه« لكون قادة الدول الأعضاء في الفاو لم يتوافقوا على تدابير أكثر طموحا » في ظل وضع طارئ ومأسوي على الصعيد الغذائي«.‏

وكانت قمة الدول الأعضاء في الفاو قد اختتمت مساء الخميس الماضي إثر مفاوضات شاقة, ببيان التزمت فيه تقليص عدد الجائعين في العالم إلى النصف بحلول العام 2015. لكن البيان تطرق بخجل إلى مسألتي المساعدات والوقود الحيوي.‏

وفي الإعلان الختامي للقمة التي استمرت ثلاثة أيام في روما وشهدت وعودا بتقديم مساعدات قدرها 6,5 مليار دولار وخلافات حول الوقود الحيوي, قالت الدول المشاركة »نحن على اقتناع بأن المجتمع الدولي بحاجة إلى التحرك بشكل عاجل ومنسق لمحاربة الانعكاسات السلبية لارتفاع الأسعار الكبير على أفقر دول العالم وشعوبها« .‏

وأشار الإعلان الختامي أيضا إلى أن الغذاء »لا يجوز أن يستعمل كوسيلة ضغط اقتصادي وسياسي , وكانت كوبا هي التي ضغطت على المفاوضات بهذا الصدد وطالبت بالتنديد الضمني بالحظر الأميركي ضدها في البيان الختامي, كما طالب الوفد الكوبي بان يتضمن البيان أن (الأغذية يجب ألا تستخدم كأسلحة للضغط السياسي الأحادي الجانب), وبان يشير إلى (الحق في الغذاء), ما يعني إدانة الحظر الأميركي على كوبا.‏

وكانت المنظمات غير الحكومية قد اعتبرت أن القمة شكلت »خطوة أولى مهمة» لكنها غير كافية لمكافحة الأزمة الغذائية العالمية.‏

غير أنَّ المقرر السابق للحق في الغذاء التابع للأمم المتحدة السويسري يان زيغلر, وجه يوم الجمعة انتقادًا شديداً إلى توصيات قمة (الفاو) في روما, واعتبر أنها تهدد بمفاقمة الجوع في العالم, بدل مكافحته.‏

وقال زيغلر : إنه انتصار المؤسسات الكبرى التي تسيطر على نحو ثمانين في المئة من التجارة الزراعية في العالم .‏

منتقداً بشدة عدم التزام دول الاتحاد الأوروبي تقليص مساعداتها الزراعية, لافتا إلى أن الأمر يؤدي إلى وضع تنافسي غير مشروع حيال المزارعين في الدول النامية. كما أعرب عن أسفه لعدم مناقشة المشاركين في القمة قضية منع الوقود الحيوي, واصفا إياهم بأنهم »مجرمون« . ونسب زيغلر فشل القمة في شكل جزئي إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون, الذي يتعرض للتأثير الأمريكي بشكل كبير والذي »لم يقم بصياغة أية توصية يمكنها أن تزعج المؤسسات الكبرى بشكل أو بآخر.‏

وكان زيغلر قد رأى في وقت سابق أنَّ الوقود الحيوي هو السبب الرئيسي الذي يقف وراء ماوصل العالم إليه من مآسٍ وجوع , كاشفاً أنَّ المجاعات قد تسببت في عام 2007 بوفاة طفل ما دون العاشرة من العمر في كل خمس ثوان , و / 100 / ألف شخص يومياً , مشيراً إلى أنَّ الولايات المتحدة الأميركية قد استخدمت / 138 / مليون طن من الذرة لإنتاج وقود - البيو إيتانول , والبيو ديزل - واصفاً هذا بالجريمة ضد الإنسانية .‏

وشهدت القمة نقاشات حادة بشأن دور الوقود الحيوي في أزمة الغذاء الراهنة, حيث اتهم العديد من الدول هذا الوقود بتعقيد الأزمة فيما نفت الدول المنتجة له ذلك.‏

ودعا بان كي مون إلى إجراء مزيد من » الأبحاث والتحليلات« عن الوقود الحيوي, ولا سيما لتحديد تأثيره على الأزمة الغذائية.‏

وقال بان » إننا بحاجة إلى زيادة الأبحاث والتحليلات في مسألة الوقود الحيوي الذي يعتبر أحد عوامل الأزمة الغذائية, لكن ينبغي تحديد تأثيرها على الأسعار بشكل دقيق«.‏

وأضاف » إننا بحاجة ماسة إلى إجماع دولي بشأن الوقود الحيوي, مع تحديد خطوط عمل وإجراءات تجارية والقيام بمزيد من الأبحاث«.‏

وكان المعهد الدولي لسياسات الغذاء ومقره واشنطن ذكر في تقرير الشهر الماضي أن زيادة الطلب على الوقود الحيوي بين عامي 2000 و2007 أسهم في 30% من الزيادة في أسعار الحبوب. أما صندوق النقد الدولي فقدر ذلك الإسهام ب15% بينما قدرته وزارة الزراعة الأميركية بأقل من 3% وهذا مثير للسخرية فعلاً .‏

وعلى الرغم من أنَّ السيد جاك ضيوف المدير العام للفاو قد اعتبر بأن مبلغ / 6,5 / مليار دولار تشكل وعوداً سخية , قائلاً : ( نحن مسرورون لذلك ) فإنَّ هذا الرقم كان محطاً للسخرية عند الكثيرين .‏

وفي سياق متصل كانت رئيسة برنامج الغذاء العالمي جوزيت شيران قد أعلنت أنَّ البرنامج سيقدم مساعدات غذائية بقيمة 1.2 مليار دولار ل75 مليون شخص في العالم مهددين بالجوع بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.‏

وأبلغت شيران القمة بأن أعدادا كبيرة من الناس في الدول الفقيرة لا تستطيع شراء المواد الغذائية حتى في حال توفرها في الأسواق.‏

من جهة أخرى أعلن المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) جاك ضيوف أن البنك الإسلامي للتنمية سيقدم 1.5 مليار دولار لبرامج دعم توزيع المساعدات الغذائية على الدول الأكثر فقرا.‏

وأضاف » علينا تعبئة كل الموارد الممكنة حتى يتمكن المزارعون من الحصول على البذور والأسمدة وغيرها من عناصر الإنتاج«.‏

هذا وكانت قد شاركت في هذه القمة / 181 / دولة وحضرها 41 بين رئيس دولة وحكومة , وهي القمة الثالثة حيث عقدت قمة عالمية أولى للتغذية في عام 1996 في روما تلتها قمة ثانية خلال سنة 2002 بهدف تأكيد الأسرة الدولية التزامها بخفض معدل الفقر في العالم إلى النصف بحلول العام 2015.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية