|
تحقيقات فمعظم المواطنين لم يعودوا قادرين على تناول الغذاء الضروري الذي يحتوي على الفيتامنيات والعناصر الضرورية للنمو والاستمرار للأطفال والكبار على حد سواء.
ولعلنا نقرأ ما بين السطور السابقة احتمالات وقوع المزيد من المخاطر والانعكاسات السلبية على المجتمع جراء حرص التجار والموردين والمحتكرين على تنمية ثرواتهم، مقابل سلبية غير مفهومة من قبل الجهات المعنية، والتي لم تتمكن حتى الآن من التأثير ولو بالحد الأدنى على هذا الواقع السعري في أسواقنا المحلية... التاريخ يعيد نفسه ولأننا في النصف الأول من شهر رمضان المبارك فإن أكثر ما يمكن أن يقال أن التاريخ يعيد نفسه لجهة استثمار هذا الشهر إلى أقصى حد ممكن من قبل هؤلاء الذين لم يعودوا يتقنون لغة الحياة وذهبوا بعيداً في مسارب تكديس الثروات ومراكمتها، في الوقت الذي تتلاشى فيه قدرة المواطن على الحياة شيئاً فشيئاً جراء ذلك، وتتناقص فرصه في العيش الكريم... فلم يكد يُعلن القاضي الشرعي الأول ثبوت أول أيام شهر رمضان لهذا العام حتى أطلق الباعة والتجار العنان لأسعارهم مخترقة كل الحواجز والحدود، ولم تنفع كل المناشدات والدعوات التي أطلقها اتحاد غرف التجارة إلى جميع التجار بمناسبة حلول الشهر الكريم، بأن يكونوا مثالاً يُحتذى لتطبيق معاني الشهر المبارك في (التراحم) والتعاون مع جميع أفراد المجتمع.. وأن يبيعوا بالحدود الدنيا للأسعار ولجميع السلع المطلوبة وأن يكون هامش الربح بالحد الأدنى أيضاً.. لما في ذلك من مشاركة لأبناء الشعب في تحمل ظروف المعيشة التي يتحملونها جراء الأزمة التي تعيشها البلاد. مواصفات التاجر «سابقاً» كما حث الاتحاد التجار على ضرورة الإعلان الواضح عن الأسعار والتقيد بالجودة والنوعية والمواصفات لتحقيق أعلى درجات الطمأنينة للمستهلكين.
ولم ينس اتحاد الغرف أن يؤكد أن التاجر السوري على مر العصور كان وما زال وطنياً محباً لأرضه وشعبه، وعليه في هذه الظروف الصعبة إثبات ذلك بالقول والفعل وخاصة في هذا الشهر الفضيل. وأكد اتحاد الغرف أن التاجر وفي جميع الأوقات يساهم مساهمة كبيرة في الأنشطة الاجتماعية والجمعيات الخيرية وأن مساهمته اليوم في التعامل الجيد مع المستهلكين سيشكل جزءاً من هذه المساهمة الاجتماعية الوطنية.. إيقاظ الضمائر النائمة كل ذلك لم ينفع في إيقاظ الضمائر النائمة لبعض هؤلاء المحتكرين والمتلاعبين الذي استمرؤوا اللعبة وأعجبتهم رياضة القفز فدفعوا بأسعار المواد والسلع إلى أعلى مستوى ممكن ليتربعوا على عروش مال زائل، وليذكرهم التاريخ أسوأ ذكرى بعد أن سقطوا في امتحان الوطنية... وكمثال صارخ نسوقه هنا فقد وصل سعر كيلو التمر أو الرطب الذي يصبح طبقاً رئيسياً على موائد إفطار الصائمين في هذا الشهر، وصل إلى 800 ليرة وهو مرشح للارتفاع من يوم لآخر، الأمر الذي عمق خيبة الأمل لدى المواطنين بعد سيل من التصريحات والتحذيرات الحكومية بأنها ستتابع وتحاسب وتضبط، وبعد مناشدات ودعوات رئيس اتحاد غرف التجارة التي ذهبت أدراج الرياح.. وفي هذا ثمة من يحاول إثبات عكس النظرية التي برهنت المعطيات على صحتها، رغم أن الأسعار تمكنت من لي ذراع المستهلكين بقوة دون أن يكون لأي من تلك الدعوات والجهود الرسمية أثر في إعادة الثقة المهدورة ما بين المستهلك والتاجر بسبب ممارسات بعض المنتجين والموردين المتحكمين بالأسواق المحلية بمختلف أسعار السلع والمنتجات. ومن هنا نجد ما يبرر للعاتبين انشغالنا بإشكالية الأسعار وسخونتها العالية، ففي زحمة ما شهدته أسواقنا من تلاطم هائل لأمواج الأسعار التي ما تزال تضرب صخور مرافئ المستهلكين بلا هوادة تحت ذرائع ثبت أنها واهية ولا أصل لها، تجدنا نترحم على تلك الأخلاق التجارية التي نجدها اليوم تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أن كانت تحكم الأسواق أكثر من أي نصوص قانونية أو أدوات رقابية، ذلك أنه كان من المتعذر فعلاً ونحن نبحث في مطويات الأيام والأسابيع الماضية، أن نجد ما يدلل على أثر للتعامل الأخلاقي من قبل بعض التجار. موضة النشرة التأشيرية ولعلنا نعود في هذا إلى النشرة التأشيرية التي جرى الاتفاق على إصدارها بشكل أسبوعي لتكون إحدى العوامل المخففة من وطأة الأسعار الخانقة، من خلال توافق جرى ما بين ممثلين عن جهات حكومية وممثلين عن التجار والصناعيين، لكن وبعد مرور أشهر على الاتفاق نجد أن مرتسماته في أسواقنا المحلية كانت بالحدود الدنيا، ثم بعد ذلك انفلتت الأمور من عقالها وعادت الأسعار لتدخل المستهلك في دوامة تاهت معها كل التوقعات والآمال بإحداث تأثير ولو نسبي على واقع الأسعار في أسواقنا المحلية، ويرى البعض أن من العوامل التي لم تسمح بنجاح تأثير النشرة التأشيرية أن الأسعار فيها تقر بما يقترحه التجار والمنتجون دون دراسة علمية لتكاليف التسعير. ولما كانت الأنظار قد اتجهت شطر منافذ بيع المؤسسة العامة الاستهلاكية ومؤسسة الخزن والتسويق، قمنا بالتوجه نحو تلك الصالات، بعد حملة دعائية أُعلن من خلالها أن الأسعار ستكون منافسة جداً وستحقق الرضا والقبول لدى كل من يزور تلك المنافذ ويشتري من تلك الصالات، لنتبين عن كثب مدى صحة ما يقال ويعلن عنه. منافذ الاستهلاكية وبالفعل كان الإقبال واضحاً على بعض تلك الصالات وخاصة صالة بيع مجمع الأمويين في دمشق التي توفر تشكيلة واسعة من المواد الأساسية وخاصة الغذائية، لكن الملاحظة التي وشى بها إلينا البعض بأن المؤسسة تستجر بعض المواد من موردين من القطاع الخاص وهؤلاء بالتأكيد يبيعون المؤسسة بالأسعار نفسها أو ربما أقل بقليل من تلك التي يبيعون بها إلى السوق المحلية وبالتالي مهما بذلت المؤسسة من جهد لتخفيض السعر فلن يكون ذلك بالقدر الملموس أو بمستوى طموح المواطن الذي أُرهق تماماً بسبب عدم استقرار الأسعار عند مستوى معين، واستمرارها في صعود مضطرد.. وبالعموم فقد كان تركيز المستهلكين على المواد (الناشفة) كالبرغل والرز والفريكة، والزيوت النباتية والسمنة، التي لوحظ انخفاض أسعارها بنسبة محدودة عن أسعار السوق المحلية وباعة المفرق في الأحياء... لكنها بقيت مرتفعة قياساً بمستوى دخل المواطن العادي، بحيث لا يمكنه شراء كل ما يحتاجه دفعة واحدة، فإن كنا قد تحدثنا عن 800 ليرة لكيلو التمر، فإن السعر في تلك الصالات لا يقل عن 450-500 ليرة، في حين كان أفضل أنواع التمر يباع بحوالي 250 ليرة وهذا منذ عام تقريباً ولا نتحدث هنا عن عشر سنوات خلت...ولهذا يجد المستهلك نفسه أمام خيارين إما أن يكتفي بكميات قليلة من كل ما يحتاج أو أن يوفر بعض ما يحتاج على أن يستكمل باقي احتياجاته مطلع الشهر القادم موعد استلام الرواتب.. مكسب مخفف للأعباء وفي منافذ بيع الخزن والتسويق تتوفر معظم المواد من خضار وفواكه ولحوم (فروج وغنم وعجل) إضافة للبيض، إلا أنه لا يمكن ملاحظة فارق كبير في الأسعار عنها في الأسواق المحلية، ويعود ذلك للسبب نفسه حيث أن مصدر المواد والسلع هو نفسه الذي يورد للسوق المحلية وبالتالي يكون هامش المناورة ضيقاً جداً بحيث لا يتعدى 5-10% في أحسن الأحوال.. ومع ذلك يجد المستهلك في هذا الهامش على قلته مكسباً يخفف عنه جزءا من الأعباء التي فرضها واقع الأسعار.. سلاح المقاطعة غير فعَّال ولما كان أثر التدخل الإيجابي الذي تتحدث عنه الجهات المعنية محدوداً فقد بدأت تنطلق بين الحين والآخر نداءات شعبية من هنا وهناك تدعو الجميع إلى استخدام سلاح المقاطعة وشهره في وجه كل سلعة يرتفع سعرها، معتقدين أن هذا الإجراء ممكن أن يشكل عامل ضغط على التجار لتخفيض أسعارهم والبيع بالحد الأدنى، مع هامش ربح مقبول، إلا أن بعض التجار بدوا مطمئنين لفشل تلك المحاولات في ثنيهم عن فرض السعر الذي يريدون، مشيرين في ذلك إلى أن نجاح مثل هذه الخطوة يحتاج إلى توفر بدائل حاضرة وجاهزة، وبأسعار أقل، (تجربة التدخل الإيجابي) ولكن الآن هذا الحل غير قابل للتحقق لأن الأسعار في السوق واحدة ولا يمكن كسرها لأن تجار الجملة هم أنفسهم من يورد للجهات العامة وللأسواق المحلية، وبالتالي ما على المواطن إلا القبول بالأمر الواقع دون تذمر، وإن كان أمامه خياران فأحلاهما مر وستبقى الأسعار مرتفعة بفعل العوامل المؤثرة والتي هي دائماً برأي التجار، سعر صرف الليرة أمام الدولار أولاً وأجور النقل المرتفعة ثانياً، وغيرها من تكاليف الإنتاج والاستيراد والأعباء الأخرى. وبذلك نجد دائماً أن المبررات جاهزة ومعلبة، بغض النظر إن كانت مقنعة أو غير مقنعة، فمن حيث المبدأ التاجر لا يشعر باللوم إزاء ارتفاع الأسعار، وإنما يشعر بأن له الفضل الكبير على المستهلك لأنه يعمل على توفير المواد في الأسواق، ولعل في هذا ما يشفع له برأيه، وما على المستهلك إلا أن يقبل بالأمر الواقع، دون نقاش أو مجادلة، وكل ما يمكن أن يفعله أن يشتري حاجته بصمت ويدفع ما يطلب منه، أو أن لا يشتري حاجته، فهو حر فقط في هذا الجانب. ومرة أخرى نقول إن استمرار هذا الوضع يُنذر بالمزيد من المتاعب التي لا تُحمد عُقباها، وإن كان بعض التجار اليوم يتلذذون ويستمتعون بالثروات الطائلة التي يكدسونها، فقد لا تطول فرحتهم كثيراً ليس بسبب إجراءات حكومية معينة، وإنما لأسباب تتعلق بالمستهلك نفسه..!! تاجر الأمس واليوم وبالعودة إلى ما دعا إليه اتحاد غرف التجارة من بيع بالحد الأدنى وقبول أرباح أيضاً بالحد الأدنى، وما أشار إليه من مواصفات وصفات للتاجر السوري، فإن لسان حال الكثيرين يقول إن هذا الكلام لم يبق منه شيء على أرض الواقع وإن من يتحدث عنهم من تجار لم يعودوا موجودين الآن، واليوم هناك حفنة من المتحكمين والمحتكرين والمضاربين بقوت المواطن وبلقمة عيش أطفاله، ومعظمهم غير عابئ بما يحدث للمواطن فالمهم دائماً المحافظة على الثروة، واستغلال الأوقات الحرجة لتحقيق ذلك، بعيداً عن صفة التراحم وبث الشعور بالطمأنينة والارتياح لدى شرائح المجتمع كافة. الهروب إلى الأمام وعلى ذلك فإن المواطن وفي كل يوم يعيش حالة الهروب إلى الأمام، ممنياً النفس بِغدٍ يحمل معه الخلاص من جملة المتاعب والأعباء التي خيمت على حياته وأثقلتها بالهموم والصعوبات وجاءت الأسعار لتزيد في الطين بلة ولتحيل حياة المواطن إلى كابوس مرعب أفقده الطمأنينة والراحة، وبعث في نفسه كل مشاعر الخوف والحذر من مخاطر لم يعد يستطيع أن يُقدر حجمها..إلا أن المكتوب واضح من عنوانه...!! |
|