تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


النجاح مقابل الإخفاق

معاً على الطريق
الأربعاء 19-11-2014
علي نصر الله

النجاحات في السياسة ليست كالنجاحات التي يحققها الطالب في الدراسة والبحث العلمي، وربما تتباين كثيراً نجاحات السياسي عن تلك التي يُثمّرها الباحث بجده واجتهاده،

ففي حين يمكن للسياسي أن يبني نجاحه على فشل وإخفاقات خصومه، لا يمكن للباحث أن ينجح إلا إذا قدّم في بحثه إضافة علمية بعنوان البحث الذي يتصدى له.‏

في عالم السياسة وواقعها يجري في هذه الأيام حديث عن نجاحات تسجلها الولايات المتحدة الأميركية بإدارة العالم اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، لكن بمعايير أميركية - غربية، وفي المقابل هناك رؤى وأحاديث مناقضة ترى بهذه النجاحات - التي تقاس بالمعيار الأميركي الذاتي والغربي الملتحق به - إخفاقات مدوية تحولت إلى نجاحات نتيجة إخفاقات خصوم أميركا التي راحت تؤسس عليها، لتضيف نجاحات أخرى ما كانت لتتحقق لولا فشل الخصوم الدوليين المستمر بغير اتجاه.‏

ففي الوقت الذي نجحت فيه آلة الإعلام والسينما الأميركية بعولمة الكون وبنشر ثقافة أميركية رخيصة مبتذلة في العالم، أخفق الآخرون حتى في استثمار أخطاء هذه الآلة التي رسمت صورة سيئة لأميركا، وفي الوقت الذي ترتكب فيه دوائر السياسة الخارجية الأميركية وأجهزة الاستخبارات المركزية أخطاء كارثية اقتضت قيام واشنطن بإحداث دوائر أخرى سياسية - إعلامية - ثقافية مهمتها الأولى والأخيرة العمل على تحسين صورة أميركا، عجز الآخرون عن التقاط هذه الأخطاء وعن تظهيرها، فبدت أميركا كأنها تنجح حتى عندما تخفق.‏

صحيح أن الولايات المتحدة قوة اقتصادية عالمية مركزية، وصحيح أنها قوة عسكرية أسطورية، وصحيح أنها قطب سياسي دولي بارز، غير أن الصحيح أيضاً أن إخفاق الآخر باستغلال عوامل القوة المتوافرة فيه ولديه، وعجزه عن تفعيلها وتثميرها، جعل أميركا تبدو أقوى مما هي عليه في الواقع والطموح، وقد عبَّر عن ذلك غير مرة ثعلب السياسة الأميركية هنري كيسنجر الذي كان رسم خطاً بيانياً هابطاً (لأميركا الدولة الإمبراطورية) في سبعينيات القرن الماضي، فما صحت تقديراته، وقد أظهرت المؤشرات العملية أنه أخطأ التقدير سواء لجهة اعتقاده ببلوغها الذروة، أم لجهة رصده بروز بوادر الضعف والتراجع عليها.‏

قد تكون الولايات المتحدة أحسنت البناء على إخفاقات خصومها لتحقق نجاحات جعلتها تمسك بمسارات الأحداث في العالم، لكن تراكم الأخطاء الاستراتيجية التي ترتكبها اليوم بات يسابق نجاحاتها المبنية على إخفاقات خصومها، وربما بات جبل أخطائها يهدد بتقويض كل نجاحاتها، فعبثها الأمني، وتحالفها المشين مع التنظيمات الإرهابية التي أنشأتها، وممارساتها وحروبها العدوانية لن تضيف لها، بل صار من الثابت أنها تضرٌّ بنفوذها وبمكانتها وباقتصادها وبمستقبلها، وقد تضع سياسات البيت الأبيض الحمقاء هذه، يضاف إليها التحرشات المباشرة بالصين وروسيا أميركا قريباً أمام حتمية نشوب مواجهة دولية خشنة تجعل أمر سقوطها واحتمال انهيار اقتصادها وتلاشي عوامل قوتها أمراً وارداً، خصوصاً إذا أحسن الآخرون الاشتغال على تغيير قواعد اللعبة بذهابهم إلى التأسيس والبناء على الأخطاء والإخفاقات الأميركية لتسجيل نجاحات يحققونها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية