|
عن لوفيغارو بمناسبة الذكرى السادسة بعد المئة لولادتها (9 كانون الثاني 1908) يحتفي موقع غوغل بوضع رسم بورتريه خاص بها على الموقع. فبعد مضي أكثر من قرن على ولادتها تبقى الفيلسوفة سيمون دي بوفوار وكتاباتها التي تعتبر مرجعاً فلسفياً موضع جدل كبير قسمت النخب الثقافية في فرنسا وانتقدها الكثير من الأدباء. هذه المرأة الباريسية التي دخلت مجال الكتابة مبكراً بعد أن درست الآداب والرياضيات كانت شغوفة بالفلسفة فالتحقت بدراستها عام 1929 وهناك تعرفت على جان بول سارتر الذي أصبح رفيق عمرها (دون أن يتزوجا) أيضاً علاقتهما كانت مثيرة للجدل حيث أن التحامهما جاء بقدر انفصالهما اذ قالت يوماً: شعوري بأني نصف يكمل النصف الآخر أخذت منه وأخذ مني دون أن أكون تابعة له. تعاونت مع مفكرين وفنانين بارزين في القرن العشرين منهم بوريس فيان وموريس ميرلو بونتي وبالطبع جان بول سارتر في مجلة «الأزمنة المعاصرة» التي ساهمت في تأسيسها ولم تمنعها من العمل في مؤلفاتها الخاصة في الأدب والفلسفة. في العام 1949 نشرت أشهر مؤلفاتها «الجنس الآخر» قدمت فيه قضايا وطروحات طليعية في تلك المرحلة حملت إليها من النجاح بقدر ما جعلتها عرضة للهجوم والإدانة لأنها تصدت للحالة النسوية بشكل غير مسبوق من استقلال المرأة والممنوع في الإجهاض الذي كان يعتبر جريمة كما دعت المرأة لتحدد هويتها التي تجدها مستلبة, دافعت عن العلاقة بين الرجل والمرأة على أنها بنيان اجتماعي وقد اشتهرت بجملتها عن المرأة بأنها: «لا تولد امرأة بل تصبح كذلك فيما بعد» وأصبح كتابها «الجنس الآخر» الأساس الايديولوجي للحركة النسوية التي بلغت أوجها في ستينات القرن الماضي خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية كما خلقت وعياً ثقافياً جديداً في موضوع المرأة، وفي عام 1954حازت روايتها «المثقفون» على جائزة غونكور الأدبية التي حققت أيضاً شهرة واسعة وهي رواية عن الحياة الثقافية في فرنسا في فترة ما بعد الحرب. ولم تتوقف الفيلسوفة حتى وفاتها عام 1986 عن التصدي للمواضيع الاجتماعية الكبرى كالحب والموت والقتل الرحيم مسائلةً في ذلك تجربتها الخاصة. في العام 2008 وعلى شرفها تم تأسيس جائزة «سيمون دي بوفوار من أجل حرية المرأة» وكانت إشارة بل علامة إضافية على حضورها في المجتمع المعاصر كما صدر مؤخراً فيلم «فيوليت» للمخرج مارتن بروفو يروي قصة حياة فيوليت لوديك الصديقة المقربة من سيمون وقد أدت الدور ببراعة الممثلة ساندرين كيبرلين أيضاً ظهر اسم سيمون دي بوفوار في تشرين أول الماضي في لائحة الشخصيات النسائية اللواتي يرغب الفرنسيون في نقلهن الى مقبرة العظماء (البانتيون) وقد احتفل موقع غوغل في التاسع من هذا الشهر بعرض بورتريه خاص لها على الموقع كما أن تسمية جين كامبيون رئيسة لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي يذكر بأن هذه المعركة لن تنتهي وستتواصل عبر شخصيات أخرى مثل كامبيون التي اشتهرت بشخصيتها المتحررة المستقلة دافعت عن قضية السينما النسائية كما نددت بأوساط الصناعة السينمائية التي يهمين عليها الرجال. ويبقى السؤال الصعب دون جواب عن مسيرة قادها حب الفيلسوفة: ماذا ستكون أعمال سيمون دي بوفوار لو لم تتعرف على جان بول سارتر؟ بلا ريب كان سارتر قاطرة الثنائي فهو من كان لديه العبقرية لكن دون أن نهمل قوة أفكار سيمون وكتاباتها المتعلقة بالسيرة الذاتية مثل «الكلمات» التي ساهمت في جعلها ورفيقها شخصيات أسطورية كما أن «مذكرات شابة رصينة» و «قوة الأشياء» و «عنفوان الشباب» أرخّت بجرأة وقائع الحياة الفكرية في فرنسا وغالباً ما تشبه تصفية حسابات عسيرة كما أصبح من الضروري أن نقرأ ماذا يكتب سارتر لنتعرف على سيمون وماذا تكتب سيمون لنتعرف على سارتر ليبقى كلاهما شاهداً ضرورياً على عصرنا ولابد من القول:إن قوة حبها له جعلتها ضعيفة أمامه حتى في نتاجها الفلسفي وكان ذلك محسوساً في رواياتها الأولى. كانت تقول: «المرأة هي كل ما ينشده الرجل وهي كل ما لا يدركه». لقد كان لها الأثر الكبير في معركة النساء لأعوام السبعينات وأصبحت شخصية شعبية كاملة العضوية ودائماً في خدمة القضية حاضرة في جميع المعارك أما في مواقفها السياسية فكانت أقل استقلالية ولنقل أنها كانت تصطف وراء سارتر. لقد جسدت سيمون دي بوفوار أدباً ملتزماً كسرت من أجله مزيداً من المقاطع الشعرية فاستطاعت أن تترك بصمة امرأة متميزة بأعمالها الهامة الصلبة التي ستكون جواز سفرها الى أجيال قادمة أيضاً. |
|