تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إرهابُ بني سعود رأس حربة لإسرائيل

شؤون سياسية
الأحد 12-1-2014
 عبد الرحمن غنيم

لعلّ أول ما يخطرُ في بال عامة الغربيين عند المقارنة بين النموذج الإسرائيلي للممارسة السياسية والنموذج العربي يتمثل في استحضار النموذج السعودي الاستبدادي البدْوقراطي المتخلف كما لو كان مثالاً للنموذج العربي، يفترض القياس عليه. وآخر ما يمكن أن يخطر في بال الغربيين هو أن النموذجين السعودي والإسرائيلي يعبّران عن حقيقة واحدة تكمن خلفهما،وهي أنهما يمثلان النموذج اليهودي من جهة، والربط الوثيق بين البعدين الديني والسياسي من جهة ثانية. ورغم البون الشاسع الذي يمكن ملاحظته بين النموذجين إلا أنهما متفقان في الجوهر.

يقوم النموذج اليهودي التقليدي، وكما عبّرت عنه في الماضي البعيد مملكة يهوذا، وفي العصر الراهن الكيان المسمى إسرائيل، على ازدواجية وتكامل العلاقة بين السلطتين الدينية والسياسية، أوبين الملك والكاهن. وكانت وظيفة الملك محتكرة وفق روايتهم لنسل داود من سبط يهوذا، بينما كانت الكهانة محصورة في سبط لاوي. وهذا بالضبط هو الترتيب الذي تقوم عليه مملكة آل سعود، حيث يحتكر آل سعود السلطة السياسية بينما يحتكر آل الشيخ السلطة الدينية. ونحن لا نعرف بالضبط النسب الحقيقي لهاتين العشيرتين وإلى أيّ سبطين يقود.‏

إنّ الأصل اليهودي لآل سعود وآل الشيخ، والضرورة التي فرضت التعتيم على هذا الأصل، مثلما فرضت دمج يهود الجزيرة العربية - بما فيها تيماء التي قيل إن يهود خيبر والمدينة المنورة قد انتقلوا إليها لأنها لم تكن تحسب ضمن جغرافية الجزيرة العربية - في إطار ظاهري إسلامي تمثل بالوهابية، بما يكفل السيطرة على مجتمع غالبيته عربية إسلامية، وبتعبير آخر غير يهودية، هو الذي حدّد شكلَ النموذج السعودي للممارسة السياسية، وهو الذي يفرض على هذا النموذج قيوده الثقيلة التي يبدو من المتعذّر التخلص منها. وهذا ما يجعلُ أمراءَ آل سعود يقولون مراراً وتكراراً لكل من يطالب بتغيير أطر النظام السياسي في المملكة بأنهم أخذوا السلطة بالسيف ولن يتخلوا عنها إلا بالسيف.‏

إن الحقيقة التي لا بدّ من التسليم بها، هي أنّ النموذج الإسرائيلي للممارسة السياسية هو نموذج مختلف في بنيته الهيكلية وأسلوب إدارته، نظراً لأن ظروف نشأة الكيان الصهيوني مختلفة. فجمع اليهود بثقافاتهم المختلفة من شتى البلاد افترض الحاجة إلى صهر المكوّنات، وإيجاد مركب اجتماعي وسياسي واقتصادي متماسك، يستطيع التوفيق بين السلطتين الدينية والسياسية، ولكن على أسس معاصرة.‏

إن النموذج الإسرائيلي للممارسة السياسية، وإن حافظ على دور الكهانة أوالحاخامات، إلا أنه تحرّر عملياً من مسألة حصر السلطة في عائلة معينة أوسبط معين، وقلد الأنظمة الديمقراطية الغربية في توزيع السلطات. وهذا ما جعله يروّج لنفسه كنموذج للديمقراطية الغربية في المنطقة، مع ظهور النموذج الاستبدادي اليهودي السعودي وكأنما هو النموذج النقيض الممثل للحالة العربية!!. إلا أن النموذج الإسرائيلي رغم كلّ محاولة التقليد هذه يبقى نموذجاً عنصرياً. وهذا ما نلمسه اليوم في سعيه للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، أو طرحه لفكرة إلحاق المثلث أوجزء من منطقة المثلث مع سكانها العرب بالدولة الفلسطينية مقابل ضم المستوطنات اليهودية في الضفة إلى إسرائيل، في مسعى لضمان بقاء إسرائيل كياناً عنصرياً يهودياً واستبعاد أكبر قدر من العرب من تعداد سكان الكيان.‏

في الواقع إن قليلاً من التفكير يقودنا إلى الاستنتاج القائل إن النظامين السياسيين الإسرائيلي والسعودي يواجهان أزمة أو مشكلة مزدوجة مشتركة يمكن إيجازها كما يلي:‏

- إن ديمقراطية النظام السياسي الإسرائيلي العنصري الذي يرادُ له أن يكون ديمقراطية يهودية، يواجه مشكلة النمو الديمغرافي العربي الذي يشكل خطراً على يهوديته، ما يدفعه للبحث عن وسيلة للخلاص من أكبر قدر ممكن من الكتلة السكانية العربية. وبالمقابل، فإن التحدّي الديمقراطي الذي يواجهه النظام السعودي يجعله يخشى من فقدان انفراده بالسلطة، ما يهدّد بإنهاء هيمنة اليهود من خلال عائلة آل سعود على المملكة. فإسرائيل تريد تأكيد يهوديتها سكانياً بينما تريد السعودية تأكيدها من خلال الانفراد المستمر بالسلطة لأن الخيار البديل، أي السكاني، غير متوافر. وهكذا يبدو واضحاً أن هناك مشكلة دينية ديمغرافية يواجهها النظامان أولهما بسبب ديمقراطيته الخاصة، وثانيهما بسب استبداديته الخاصة.‏

- يتمثل الشق الثاني من المشكلة في التحدّي الإقليمي الذي بات متبلوراً في محور المقاومة بعمقه الإيراني. وهنا يبدو واضحاً تماماً أن النظامين السياسيين الإسرائيلي والسعودي يريان في هذا المحور مصدر الخطر عليهما معاً، رغم الفرضية الواضحة القائلة إن هذا المحور همّه منحصر في مجابهة «إسرائيل» وسياستها العدوانية التوسعية، وأنه لم يعبّر في أيّ وقت من الأوقات عن كونه في حالة مواجهة مع السعودية. فإذا كانت الفئة الحاكمة المتسلطة في السعودية ترى في المواجهة الإقليمية للعدوان الإسرائيلي خطراً عليها، فهذا يكشف يقيناً عن عمق الرباط اليهودي بينها وبين الكيان الصهيوني، ما يجعلهما معاً يريان في المعركة ضد هذا المحور معركة مصيرية لكليهما.‏

واضح من خلال تحديد المشكلة المزدوجة على النحو السابق أن الإرهاب الذي يديره آل سعود، لا يمثل نشاطاً عدوانياً سعودياً منفصلاً عن حسابات إسرائيل، وأن آل سعود إنما يلعبون من خلال الإرهاب دور رأس حربة اليهود في تنفيذ مخطط يهودي صهيوني يستهدف ضرب محور المقاومة في قاعدته الأمامية الأساسية متمثلة بسورية وحزب الله في لبنان، مع العمل على عزل إيران جغرافياً من خلال استهداف العراق، واستقطاب العداء لإيران بدعوى أن أمن الخليج يتطلب ذلك. وهذا ما يعني عملياً وحدة الجبهة الإسرائيلية السعودية وملحقاتها.‏

إن البعد اليهودي للدور السعودي هو وحده الذي يفسّر السكوت الأميركي الذي يعني الرضا إزاء الدور السعودي في تجنيد الإرهاب وتشغيله. بل إن واشنطن ذهبت عملياً إلى آفاق أبعد، فأسهمت مع شركائها الغربيين في دعم هذا الإرهاب. ومن المستحيل تصوّر قيام الأمريكيين وشركائهم الغربيين بمثل هذا الدور لولا أنه يصبُّ بدايةً ونهايةً في خدمة المشروع اليهودي الصهيوني في المنطقة. فآخر ما يمكن لساسة الغرب أن يتمنّوه أن يضبَطوا أمام شعوبهم متلبّسين بدعم الإرهاب، وخاصة أنه إرهاب يديره نظامٌ سياسيٌ استبدادي بدْوقراطي مثل النظام السعودي، ما يزيد المشكلة ضغثاً على إبالة، حيث يعرّض أصحاب هذا الموقف لأن يضبطوا متلبسين بدعم مثل هذا النظام!!. لكن تجاوز مثل هذه الحقيقة يدل على مدى الجهد الإعلامي الذي يقف وراءه اليهود الصهاينة للتستر عليها، والذي يبرّر الجرائم التي يقترفها الإرهابيون التابعون لآل سعود ولإسرائيل عملياً أيضاً. ولعل حرص إسرائيل على كشف تعاونها مع الإرهابيين ومعالجة جرحاهم يشكل دليلاً واضحاً على ممارسة تسعى إلى جعل السلوك السعودي مقبولاً ومبرراً في الغرب، مّا يدلل على وحدة المعركة، وأن إرهاب آل سعود ما هو إلا رأس حربة في خدمة اليهود.‏

إن قيام آل سعود بدورهم الإرهابي في خدمة الكيان الصهيوني على النحو الذي أوضحنا، يعني أن المشروع الذي طرحته المملكة السعودية لتوحيد الممالك والإمارات العربية، إنما يهدف إلى توسيع سلطة آل سعود لتشمل أكبر مساحات ممكنة من الوطن العربي، مّا يعني عملياً توسيع سلطة اليهود الخفية، فكأن هذا المشروع هو الإجراء المكمّل لمخطط التوسع الصهيوني بين النيل والفرات، والرامي إلى تحويل أقطار المنطقة إلى إمارات صغيرة متصارعة يهيمن عليها اليهود الصهاينة أو شركاؤهم من يهود آل سعود. وفي الحالتين، نحن أمام محاولة يهودية للهيمنة على المنطقة العربية ومحيطها الإسلامي. ولا ريب أن هذه هي أخطر مؤامرة تعرّض لها العرب والمسلمون عبر التاريخ.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية