|
معاً على الطريق وإلى حد أن من كان يحتاجها فعلاً بات ينفر منها ومن سماع تردداتها بمناسبة ومن دون مناسبة على الألسن والأسماع, وصار لا يرى فيها سوى الشر الوبال واللعنة القاتلة والوصفة المناسبة للموت قبل الأوان أو للبؤس المستدام. لم يكن لهذه المفردات, كما قرأناها وتعلمناها في أدبيات الفكر السياسي ويوميات الثورات العظمى وتجارب الديمقراطيات الكبرى في العالم, تلك الدلالات التخريبية والمعاني المدمرة والموت الزؤام.. كما رأيناها بأم العين في وقائع ويوميات ذلك « الربيع « العربي. ولم يكن لنا أن نشهد لهذه المفردات والدلالات والمعاني سقوطاً سياسياً مدوياً وخواءً أخلاقياً قاتلاً كالذي شهدناه لترجمتها وتطبيقاتها على أرض « الربيع « العربي إياه.. لو أننا أضفناها إلى قواميس لغتنا بوصفها نتاجات لغوية عربية لتجارب مجتمعية أصيلة. وما كنا لنهين هذه المفردات وننتهك مناقبيتها الأخلاقية والمجتمعية العالية, ونحولها إلى فزاعات منفرة يخشاها كبارنا قبل صغارنا, لو أننا كنا نعيها ونتمثلها.. لا باعتبارها مفردات لغوية أصيلة أو معربة, بل بوصفها تعبيرات اجتماعية وحراكات ثقافية بيئية ناشئة ومتداولة في ما بيننا, ولو أننا كنا نحتاجها بوصفها ماء وهواء إنسانياً يمنح الحياة لا يقتلها, ولا نحتاجها باعتبارها ناراً ورصاصاً وسواطير. بعد أربع سنوات ونيف على ربيع الجدب والمحل والعجف والمواسم المحروقة صار لنا أن ندرك ان الثورة وعي وأن الحرية وعي وأن الديمقراطية وعي, وأن لا شيء منها يأتي من فراغ ولا شيء يذهب إلى فراغ, وأن حرق المراحل بين همجية الوعي ووعي الثورة هو كذبة كبرى, وأن العبور من حرية القتل إلى وعي الحرية يحتاج سنين ضوئية من الزمن والمسافة لم نخط بعد منها خطوة واحدة, وأن صناديق الانتخاب هي النكهة المضافة إلى وعي الديمقراطية لا الديمقراطية ذاتها! إذاً, فهذه هي الثورة وهذه هي الحرية وهذه هي الديمقراطية أيها العرب.. هذه هي كما ترجمتموها أنتم لا كما هي بالفعل, وكما فهمتموها أنتم لا كما هي في الحقيقة, والفارق بين ترجمتكم لها وتراجم الآخرين, التي عادت عليهم بالخير والحضارة... لا يكمن فيها كمفردات, بل في الوعي العربي لها ولمناخاتها وشروطها.. الوعي الذي لم يغادر بعد مضارب القبيلة والعشيرة ولا زواريب الطائفة والمذهب والملة ولا دكاكين الولاءات والانحناءات والطأطآت المذلة! ترى, هل أربكتنا اللغة ومفرداتها أم أربكناها, وهل لقواميسنا اللغوية أن تفخر من بعد هذه السنين العجاف بإعادة شرح وتصويب معاني ودلالات مفردات الثورة والحرية والديمقراطية.. أم تستأصلها وتستريح ؟ |
|