تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سورية الصامدة تمنح المنطقة أملاً جديداً

متابعات سياسية
الأربعاء 7-1-2015
عبد الحليم سعود

رغم وفرة الدلائل والبراهين القاطعة على تورط الغرب وأدواته الخليجية ومسؤوليتهم الكاملة عما آلت إليه أوضاع المنطقة من عنف وفوضى ودمار وإرهاب دموي لتنظيمات إرهابية تكفيرية متوحشة غير مسبوقة في التاريخ البشري،

ورغم الأدوار القذرة التي تلعبها كل من تركيا وإسرائيل في دعم الإرهاب وتوفير بيئاته وحواضنه، يصرّ البعض على تسمية الحالة المأساوية الراهنة التي تعيشها المنطقة بـ«الربيع العربي»، في حين تواظب الأبواق المأجورة والناعقة في إعلام البترودولار على ترديد وتكرار كلمات «الثورة» و«الثوار» التي يحرم ذكرها على ألسنة الناس المقهورة والمضطهدة في تلك المشيخات البائدة والممالك المتهالكة، بينما لا يسمح لهذا «الربيع» بالعبور إلى صحارى الاستبداد ومحميات القمع وكانتونات الجهل رغم حاجتها الماسة للربيع الحقيقي كي تطرد عفن أنظمتها التابعة للغرب وأسرها الحاكمة ببركات القواعد والنفوذ الأميركي.‏

ورغم كثرة الحقائق والاعترافات التي يسوقها الغرب في صحفه ووسائل إعلامه كل يوم حول تورط دوله ومسؤوليتها عن هذه الفوضى المدمرة وخشيته من امتداداتها إلى عقر داره وساحاته الداخلية، ما يزال إعلام النفط غارقاً في أكاذيبه وترهاته وخزعبلاته يقدم الدليل تلو الدليل على انحطاطه وفقدانه أدنى شروط الموضوعية والمصداقية، بحيث بات أداؤه الإعلامي أقرب إلى التهريج والسخرية منه إلى الجدية ونقل الأحداث بصدق وأمانة..‏

في كل الأحوال باتت الصورة أكثر وضوحا من ذي قبل، وها قد بدأت الشعوب تستوعب أبعاد المؤامرة التي تتعرض لها منطقتنا، مع ولادة جيل جديد من التنظيمات الإرهابية التكفيرية لا ينجو من إجرامها أحد، ولا تجد أي حرج في التعاون والتنسيق مع إسرائيل والغرب ضد مصالح المنطقة وشعوبها، فالتحالف الظاهر بينها وبين إسرائيل لا يخفي رغبته وسعيه لتفتيت المنطقة وضرب مكامن القوة والوحدة فيها، فإسرائيل لا تتوقف لحظة واحدة عن محاولات تبرئة نفسها من الإرهاب وإلصاقه بالعرب والمسلمين، وهذه التنظيمات التكفيرية لا تكف عن تشويه صورة الإسلام وتعاليمه السمحة وممارسة كل ما من شأنه إثارة الكراهية والأحقاد لزيادة عدد الأعداء والخصوم، فماذا تريد إسرائيل أكثر من أن ينشغل العالم عن جرائمها وإرهابها بحق العرب ويحاربهم نيابة عنها تماماً كما يجري اليوم في أكثر من مكان تحت عنوان «الحرب على الإرهاب».‏

فإلى أين تتجه المنطقة وسط هذه الفوضى العارمة والحروب والصراعات الدامية وفي ضوء التحالفات القائمة بين إسرائيل والتنظيمات الإرهابية من جهة، وبين الغرب الاستعماري ومحميات الخليج من جهة أخرى ؟!‏

لنعترف بداية بأن واشنطن التي خططت منذ سنوات لما يسمى «الفوضى الخلاقة» قد استطاعت أن تجرّ المنطقة إلى أشكال متنوعة من الفوضى المدمرة، وكان أخطر تجليات هذه الفوضى هو صعود تيارات متطرفة كالإخوان المسلمين وظهور تنظيمات إرهابية على صلة بتنظيم القاعدة الإرهابي كداعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات المتطرفة، ما وفر لها بيئة مساعدة ومناسبة لمواصلة تنفيذ مشروعها التخريبي، وقدم لها ذريعة مجانية لمواصلة العدوان والتدخل بشؤون المنطقة تحت حجج ومسميات مختلفة، ومن الواضح أيضاً أن واشنطن التي هزمت أمام المقاومة في العراق تمكنت من التسلل إليه مجدداً ولكن بأسلوب آخر، وبعد أن عجزت عن توفير الذرائع الملائمة للتدخل العسكري المباشر في الشأن السوري طيلة أربع سنوات من الأزمة، ها هي اليوم تقود تحالفاً دولياً تحت عنوان «محاربة داعش» بعد أن ساهمت بتمدده من العراق إلى سورية بمساعدة وكلائها الأتراك والعرب.‏

ولكن رغم ذلك ما يزال الأميركيون وأدواتهم محبطين عاجزين عن تحقيق ما يصبون إليه، فلم يستطيعوا فرض أي من إملاءاتهم وشروطهم على السوريين، وما زال التردد والتناقض يطبع مواقفهم وتصريحاتهم، ما يؤشر إلى نجاح سورية وحلفائها في إدارة دفة الأزمة وإفشال أهداف الحرب، ويعكس قدرتهم على اجتراح الحلول المناسبة، ورغم تلبد الأجواء الإقليمية والدولية وانفتاحها على سيناريوهات متعددة ثمة نافذة أمل تلوح من بعيد، فسورية ما تزال صامدة تقاتل على جبهات متعددة وتحاول تأمين متطلبات أبنائها ضمن الحدود المعقولة رغم العقوبات والحصار والإرهاب الجبان، وهو أمر تعجز عنه أقوى الدول، وهذا الصمود يعني القضاء على حلم كان يراود أعداء سورية وهو شطب وطن بأكمله بجيشه وشعبه ودولته ونظامه السياسي، وهو ما منح المنطقة أملا بالتخلص من مشكلاتها والعودة إلى سكة التعافي من جديد.‏

يأمل السوريون مع بداية العام الجديد أن تنجح المساعي الروسية في فتح أبواب الحوار بين السوريين وبما يؤدي إلى حل سياسي منشود، وبانتظار ذلك سيواصلون حربهم المقدسة ضد الإرهاب حتى تتطهر بلادهم من رجس كل الإرهابيين التكفيريين القادمين من شتى أصقاع الأرض، ويعود الأمن والأمان والاستقرار إلى ربوع وطنهم الغالي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية