تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الإرهابيون دمروا وحرقوا الكنائس في سورية

عن : الدايلي تلغراف
متابعات سياسية
الأربعاء 7-1-2015
ترجمة : وصال صالح

عندما اقتحم البرابرة الجدد مدينة كسب السورية أرادوا أن يظهروا للعالم وجههم الحضاري و نشروا صوراً يزعمون من خلالها أنهم حماة للكنائس القديمة لكن زيارة إلى تلك المدينة الوادعة الجميلة تكشف زيف ادعاءاتهم و الوجه القبيح لمجرمي الألفية الثالثة .

لقد تسربت مياه الأمطار إلى المقابر و تناثرت قطع الصلبان الرخامية بين الزهور المرمية التي كانت قد وضعت ذات يوم بمحبة على القبور ، و بجانب المقبرة التي دنسها الإرهابيون وقفت كنيسة الثالوث المقدس الأرمنية الإنجيلية كقلعة صامدة رغم تعرض مكتبتها و مقاعدها للحرق وللخراب ، لقد كشف هؤلاء المجرمون عن وجههم الحقيقي و عن تخلفهم و جهلهم حيث كانوا يعيثون فساداً و بنشوة غير آبهين في تدمير المواقع المسيحية و لم يميزوا بين الحجر و البشر فرصاص حقدهم اخترق التماثيل و مزقها و شعاراتهم التي لا تمت إلى الإسلام بصلة شوهت جدران المنازل و المحلات التجارية.‏

و لمن لا يعرف مدينة كسب فهي مدينة قديمة على تلال محافظة اللاذقية و اكتسبت شهرة عالمية بعد تعرضها للهجوم من قبل الإرهابيين في ربيع العام الماضي ما أدى إلى هروب 2500 أرمني و اتهمت تركيا بلعب دور كبير في مساعدة ما ادعت بأنهم معارضة معتدلة للسيطرة على المدينة هذا على الرغم من مشاركة جبهة النصرة أحد فروع تنظيم القاعدة في هذا الهجوم ، لكن بواسل الجيش العربي السوري تمكنوا من استعادة المدينة في حزيران و ذلك بعد معاناتها على مدى ثلاثة أشهر من الاحتلال .‏

و لمعرفة ما جرى على أرض الواقع قام مراسل الدايلي تلغراف روث شيرلوك بزيارة تلك المدينة و على الأرض بدت الحقيقة عارية من كذبهم و افتراءاتهم بأنهم أي المتمردون السوريون غير طائفيين و هم حماة للمسيحيين ، بينما لم يكونوا أكثر من أدوات في يد مشغليهم و مموليهم و مسلحيهم لا سيما أن الهجوم بدأ بينما كان رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان يستعد للانتخابات العامة وكان يريد من معركة كسب أن تكون ورقة رابحة في يده ، في الأسابيع الأولى من التخطيط الذي سبق الهجوم تلقى المتمردون أوامر صارمة بعدم استخدام الهجوم لإظهار أنفسهم على أنهم « مسلحون معتدلون » حلفاء طبيعيون للغرب .‏

لمن لا يعرف الطبيعة الجغرافية لمدينة كسب فهي محمية بواسطة سلسلة جبال ما يعطيها صفة القلعة المحصنة ضد الغزو لكن وبسبب قربها من الحدود التركية و سماح تركيا وتسهيلها للمتمردين بالحركة و العبور تم اقتحام المدينة و الاستيلاء عليها و تدمير أهم المعالم الدينية فيها ، في الساعات الأولى لاقتحام المدينة بدا كل شيء يسير بشكل طبيعي بالنسبة للمسلحين بما في ذلك حركة - أحرار الشام – يعملون على حماية الكنائس و يتحدثون بلطف مع السكان المحليين و نزح حوالي 30 ألف أرمني من كبار السن هرباً من الهجوم و رحلوا في حافلات صغيرة إلى تركيا و هناك عرض التلفزيون الرسمي مشاهد الاستقبال الحار لهم بالتفاصيل الدقيقة ، و زار رئيس الائتلاف آنذاك المدعو أحمد الجربا كسب مدعياً الانتصار ومتجاهلاً مشاركة المتطرفين الإسلاميين في الهجوم بما في ذلك الأعداد الكبيرة « للجهاديين »الأجانب و معظمهم من الشيشان و تونس و ليبيا .‏

لكن مباشرة و مع تلاشي وميض وسائل الإعلام قال سكان كسب « أن الإرهابيين دنسوا الكنائس و أنهم التقطوا صوراً يظهرون من خلالها بأنهم كانوا في الكنائس ، ثم أضرموا النار فيها « قال الأب ميرون أفديسيان و هو كاهن الكنيسة الأرمنية الرسولية التي دمرت إلى حد كبير» كل شيء حدث من اليوم الأول « لقد تشوهت معالم المدينة الجميلة بسبب الحرائق و الكتابات التي غطت الجدران وواجهات المتاجر في شوارع المدينة الضيقة و في داخل الكنيسة بدت الأيادي السوداء و قد تركت آثارها على كل شيء من السجاد المحروق إلى مكيفات الهواء التي ذابت أيضاً بفعل الحرائق بما في ذلك الأيقونات و لوحة كبيرة للسيد المسيح عليه السلام وأمه السيدة العذراء مريم كان رصاص الحقد قد اخترقها، و في الخارج أصيبت الصلبان المنحوتة في الحجر على البوابة الواسعة برصاص حقدهم و في مكان قريب تبدو كنيسة الثالوث الأقدس و قد حرقت بأكثر من قذيفة ، زافينا سارغوجيان و هي من سكان البلدة في 58 من العمر روت لنا ما حدث و أنها شاهدت الإرهابيين يضرمون النار في الكنيسة قائلة :« كنت في المنزل مع زوجي عندما اقتحموا بيتنا و كسروا الباب الأمامي و أخرجونا بالقوة إلى الشارع و أرغمونا على الجثو على ركبنا موجهين سلاحهم إلى رؤوسنا و من الطريق رأيت الكنيسة الإنجيلية تحرق وكانت النار تخرج من الأبواب و النوافذ » .‏

على مدى العامين الماضيين كانت البلدات المجاورة لمحافظة اللاذقية هدفاً لأكثر الجماعات تطرفاً و لم يكن فقط المسيحيون من بين أهدافهم ، حيث اجتاحوا في عام 2003 عدة قرى في اللاذقية و قتلوا عشرات المدنيين و اختطفوا المئات من النساء و الأطفال و بعضهم ما يزال في عداد المفقودين و يعتقد أن جماعات من داعش كانت قد انضمت إلى الهجمات ، لقد حفر جرح كسب عميقاً في وجدان و ضمائر الناس ربما لأنه استدعى ذكريات أليمة و مريرة من الاضطهاد حيث قتل في عام 1909 عشرات الآلاف من الأرمن في مذبحة أضنة على يد العثمانيين ما اضطر الكثير منهم للهروب إلى سورية و في عام 1915 قتل أكثر من 5000 أرمني على يد العثمانيين في كسب أيضاً و اعتبر الكثير ما حدث للأرمن ب «الإبادة الجماعية » و ها هو التاريخ يعيد نفسه.‏

لكن كما طائر الفينيق ينهض من تحت الركام يعود أهالي كسب لممارسة حياتهم الطبيعية مع حنين يغرق الوجدان إلى حياة من رغد العيش و الأمان كانوا ينعمون بها في سالف الأيام و ما ينغص عيشهم هو مرأى أحفاد هولاكو على قمم التلال المحيطة حيث يقوم الجنود الأتراك بحراسة نقاط التفتيش الحدودية التي عبر من خلالها جحافلة الغزاة المتعطشين لإراقة الدماء و الرقص و الانتشاء بمشاهد الخراب و الدمار و الحرائق التي لا بد يوماً ما من أن تحرق قلوبهم و قلوب أسيادهم .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية