|
تحقيقات اتجار موظف في أعمال وظيفته عن طريق الاتفاق مع صاحب الحاجة, نظير اداء عمل أو الامتناع عن عمل يدخل في نطاق وظيفته, هو جرم أصبح البعض ينظر اليه على أنه عمل من أعمال الخفة والشطارة ودفع التسعة لكي تحصل على العشرة وأخذ ما ليس لك حق به. وهي عناوين مختلفة لمشكلة واحدة يرويها عشرات الاشخاص يوميا في المؤسسات الخاصة والحكومية وأمام أبواب المحاكم وخلف الطاولات وفي أروقة الجامعات, حتى في أبسط حالات التعامل بين الأفراد. فقد أصبحت الرشوة هذه الظاهرة (المشكلة) شبحا يخيم على معتقدات الناس ومناخاً جعل المواطن يحسب حسابه عند كل معاملة أو حاجة يريد قضاءها. ورغم ما أطلقته الافواه والاقلام في الآونة الأخيرة من مطالبة وتشجيع لمحاربة هذه الظاهرة ومحاسبة مرتكبيها والمشجعين عليها, إلا أننا حتى الآن لم نصل الى مواقف ملموسة تمنع استمرارها. أجواء وحقائق ليس خافياً ما لهذه الظاهرة من اشكال وأساليب متعددة لها انعكاساتها على طبيعة وثقافة المجتمع, ففي آخر دراسة اقيمت من قبل باحثين وخبراء ومنظمات أهلية حول موضوع الفساد ومن ضمنه الرشوة نجد أن 80% من انتشار الرشوة سببه تمتع البعض بمناصب ومراكز تجعلهم بعيدين عن المحاسبة وافتقار دور الرقابة الى كوادر مؤهلة ومدربة ثم يأتي موضوع تضارب المصالح ليمنع كل محاولة من محاولات المكافحة. ونجد أن 88% من الاسباب يعود للتفاوت الطبقي والاجتماعي بين الافراد بغض النظر عن نوع الرشوة هل هي بسبب الحاجة أم بسبب تكديس الاموال. كما أظهرت الدراسة وجود أشكال للرشوة تتطور باستمرار متأثرة ببعض الوشائج الاجتماعية والاخلاقية السائدة أو كما (يطلق عليه البعض التطور لا يقف عند حدود).. فالوصول إلى النجاح عن طريق الواسطة وشراء الشهادات الجامعية, والسكوت عن المخالفات, والاهتمام بالمريض المسنود وشراء اللجان للمواد المطلوبة بمواصفات أقل وبتكلفة أعلى, والتأخير بقضايا الناس سنوات وسنوات, والسكوت عن المخالفات القانونية بأنواعها.. وغيرها من الأمور التي جعلت المواطن يغرق في تفاصيل لا يجد لنفسه مخرجا. إذ كشفت هذه الدراسة انتشار الرشوة في القضاء أكثر من أي جهة أخرى. النظرة القانونية كيف ينظر القانون السوري الى الرشوة, وهل ما فيه من احكام كاف للمكافحة? يقول الاستاذ احمد سعيد رزق دبلوم دراسات عليا في القانون الخاص.. الرشوة كما وردت في القانون جريمة كما لسائر الجرائم ثلاثة اركان: أولا الركن المفترض, وهو صفة الموظف وعالجته المادة 340 التي اعتبرت أن كل من يحمل صفة موظف ولا يهم أن يكون ذا رتبة أو موظفا عاديا, أصيلا أو مؤقتا, طالما قام بفعل الرشوة سوف يخضع للمادة 340 من قانون العقوبات. وثانيا: الركن المادي وقوامه أن يقبل الموظف الهدية أو ما بحكمها, أو أن يمتنع عن تسيير العمل التابع لوظيفته دون مقابل. وهناك يختلف الأمر اذا كان هذا الموظف هو الذي طلب الرشوة أو أنه قبل بها, بالحالتين الجريمة قائمة. أما في حال عرض المواطن الرشوة ورفضها الموظف, فإن المواطن هو المتهم. والمشكلة بهذا الركن أن مظاهره مختلفة فقد تكون المنفعة مادية أو معنوية أو وعد بتحقيق شيء ما, وقد يكون هناك أطراف ووسطاء آخرون. أما الركن الثالث: فهو وجود النية والقصد في استغلال الوظيفة لتحقيق مآرب الراشي. العقوبات غير كافية يتابع الاستاذ رزق: ان العقوبات تختلف باختلاف الموقع القانوني للمتهم وباختلاف الفعل المنسوب له, ففي المادة 341 يعاقب الموظف المرتشي, اذا كانت الرشوة مقابل عمل من صميم وظيفته, بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات وبغرامة أقلها ضعف ما أخذه, ويعاقب بالاشغال الشاقة المؤقتة اذا قبل الرشوة لعمل ليس تابعا لوظيفته. وهنا المشرع ألحق المحامي المرتشي بهذه العقوبة مع أنه لا يعتبر موظفا بالمعنى القانوني. وتجدر الاشارة الى أن هذه العقوبات تطبق على الراشي أيضا إلا في حال الموظف لم يقبل عرضه, فتصبح عقوبة المواطن الراشي بالحبس ثلاثة أشهر حسب المادة 345 عقوبات. وليس خافيا أنه في حال الابلاغ عن الجريمة تسقط العقوبة في المادة .344 على كل مواطن أن يكون خفيراً للمواطن دور في تفشي الرشوة أو حجبها وتحجيمها هذا ما قاله الاستاذ رضوان الامام الباحث في مجال الخدمة الاجتماعية, مشيرا الى تفاقم انتشار هذه الظاهرة في مجتمعنا بأشكال وأساليب ومسميات تختلف في تصنيفها على اختلاف تدرجات السلم الاجتماعي (الطبقي) وفي كافة الاحوال هي ظاهرة سلبية تخالف الانظمة والعدالة الاجتماعية وهي دليل على تراجع القيم الاخلاقية والانسانية. أما مسألة المكافحة فهي تحتاج الى اجراءات قانونية صارمة والى أخذ تدابير حكومية تشارك فيها جميع القطاعات مثل الاعلام, ورجال الدين, ودور القضاء ووزارة التربية, والمواطن وهو العنصر الأكثر فعالية إذ يجب على كل شخص أن يكون خفيراً, انطلاقا من الحديث الشريف (الساكت عن الحق شيطان أخرس), ولكن هناك مظاهر اجتماعية يخفى وراءها فعل الرشوة كما يحدث أمام صناديق الجباية بالمؤسسات الخاصة والعامة, أو ما يقوم به معقبو المعاملات (طفيليو المجتمع) فهؤلاء الوسطاء لن يكون لهم دور لو كانت المعاملات تسير بشكل منظم. واجراءات تأخير اعطاء الرواتب للموظفين أو العمال وتأخر وصول تمويل اللجان الحكومية والمعاهد إلى مستحقيها.. الخ. العامل الأهم .. ضعف الحصانة الأخلاقية ما العوامل المسببة للرشوة وما الحدود التشريعية والاخلاقية لها? هذا ما حدثنا عنه الدكتور نوفل نوفل استاذ الشريعة في جامعة دمشق مبينا أن الأمراض الاجتماعية لا تقل خطرا عن الامراض الجسمية بل تتعداها أحيانا. وظاهرة (مشكلة) الرشوة هي إحدى هذه الامراض الناتجة في أغلب الاحيان من عدم تكافؤ الفرص أو التفاوت الطبقي بين الناس أو انعدام الوعي الاجتماعي والحس الجمعي بين البشر, بالاضافة الى عامل يكاد يتربع على كل العوامل الأخرى هو خلل التشريعات القانونية التي تكفل حقوق الناس, الأمر الذي يدعوهم للبحث عن وسائل مختلفة وملتوية للوصول الى حقوقهم التي من المفترض أن يتكفلها القانون. واستمرار الظاهرة من شأنه افساد ضمائر الآخرين, الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال مع مظاهر فساد أخرى الى تدمير منظومة الأخلاق الاجتماعية والسياسية والعلمية والروحية وهي الأخطر, لذلك فإن ضعف الحصانة الأخلاقية هو العامل الأهم في تفاقم هذه المشكلة مع أننا نؤكد على أن تدني المستوى المعيشي للأفراد يرفع من نسبة تفاقم المشكلة. ظاهرة عالمية ونسأله عن مدى انتشارها وعن الحد الشرعي لها? فيقول: الرشوة في الوقت الحالي لم تعد ظاهرة على مستوى الافراد أو الوظيفة بل أصبحت ظاهرة عالمية حيث يعدها البعض سياسة ومصدر رزق مشروع. وقد أخذت تؤثر على العلاقات الدولية فكثير من الحكومات تقدم الرشاوى بمبالغ طائلة لشركات معينة لتحقيق أهداف سياسية واعلامية تخدم مصالح وسياسات هذه الحكومات. وفي الحد الشرعي وفي كل الرسالات السماوية التعامل بالرشوة حرام, وملعون من الله من يتعامل بذلك, يقول الرسول] : }ان الله طيب لا يقبل إلا طيباً..{ ولا ننسى أن المرتشي يصبح ذا نفس ضعيفة وخلق متدن وعلى كل فرد أن يترفع عن ذلك وهنا يقول الرسول]: }اليد العليا خير من اليد السفلى..{, ويقول الله تعالى: }ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل{.. وكذلك يجب ألا نحلل أموراً أو نحرم أمورا جراء منافع شخصية وعلى الأغلب هذا ما نلاحظه في مجتمعنا حالياً. |
|